وجهة نظر: مفهوم الاستحواذ بين التوسع التجاري والهيمنة!
طالعتنا الأخبار بأن هناك موجة استثمارات مستمرة، ليست بهدف السيطرة والاستحواذ فقط، بل هناك أهداف أبعد تتعلق بالاستعداد لمشاريع كبرى تحتاج إلى تكتلات داعمة، وفي ظل تنامي حركة رؤوس الأموال أصبح الاستحواذ من أكثر المفاهيم القانونية والاقتصادية تداولاً في السنوات الأخيرة، ولم تعد مجرد أدوات توسع تجاري بل غدت وسائل لإعادة هيكلة الشركات، وتعتبر موازين السيطرة داخل مجالس إداراتها.
ولقد نظم قانون الشركات الكويتي في مواضع متعددة فكرة السيطرة ونقل الملكية للأسهم، حيث أجازت للشركات المساهمة امتلاك أسهم في شركات أخرى ضمن الحدود التي لا تؤدي إلى احتكار أو هيمنة تخالف أحكام قانون المنافسة، إلا أن قانون هيئة أسواق المال ولائحته التنفيذية كان أكثر تحديداً لفكرة الاستحواذ، حيث نص على قواعد الاستحواذ الإجباري حماية لصغار المساهمين كإلزام أي شخص أو مجموعة أشخاص يتجاوز نصيبهم (30%) من أسهم شركة مدرجة بتقديم عرض إلزامي لبقية المساهمين، حتى لا يستأثر أحد بحقوق السيطرة دون منح الآخرين فرصة الخروج العادل من الاستثمار.
ويتبين من هذا أن المشرع الكويتي ربط مفهوم الاستحواذ بالتحكم أو السيطرة الفعلية في قرارات الشركة، لا مجرد تملك أسهم، فالاستحواذ ليس صفقة بيع أسهم فحسب بل انتقال مركز القرار داخل الكيان الاقتصادي.
وتعد هيئة أسواق المال المنظم الرئيسي لعمليات الاستحواذ، إذ تختص بمراجعة عروض الشراء الإلزامية، وتقدير مدى التزام الأطراف بالقواعد القانونية والإجراءات التي تضمن عدالة السوق.
وهناك بعد آخر للرقابة على عمليات الاستحواذ من جانب قانون حماية المنافسة بضرورة إخطار هيئة المنافسة قبل تنفيذ أي صفقة استحواذ أو اندماج إذا ترتب عليها (تركز اقتصادي) قد يؤدي إلى الإخلال بالمنافسة أو الهيمنة على السوق، ويملك جهاز حماية المنافسة سلطة الرفض أو الإجازة المشروطة للصفقة حماية لبيئة تنافسية عادلة.
والقضاء لم يكن بعيداً عن مراقبة عمليات الاستحواذ المتصلة بانتقال الأسهم أو بطلان العقود المؤدية إلى السيطرة على الشركة، حيث إن في حكم تمييز تجاري قررت المحكمة أنه لا يجوز نقل ملكية الأسهم إلا وفق الإجراءات المقررة في عقد الشركة والنظام الأساسي، وأن أي اتفاق أو عقد عرفي يخالف هذه الإجراءات يعد باطلاً بطلاناً مطلقاً لمخالفته النظام العام، وجاء في حيثيات الحكم (ملكية السهم لا تنتقل بمجرد الاتفاق أو العقد العرفي وإنما بإجراء القيد في سجل المساهمين، ويبطل كل تصرف يتم خارج هذه الآلية القانونية).
وفي حكم آخر، قررت محكمة التمييز أن السيطرة الفعلية في الشركة لا تقاس بعدد الأسهم فقط، بل بالقدرة على توجيه قرارات الجمعية العامة أو مجلس الإدارة، وهو ما يعبر عن مفهوم الاستحواذ الفعلي.
إن تنظيم الاستحواذ ومراقبته أصبح مطلباً ضرورياً في ظل تنامي رؤوس الأموال وبناء قوة اقتصادية تتعاضد للدخول في مشاريع عملاقة، على أن يكون في إطار قانوني يحقق الشفافية والمساواة بين المتعاملين، حتى لا تتحول صفقات الاستحواذ من وسيلة تطوير إلى أداة هيمنة واحتكار.