«الكردية» بين اللغة واللهجة
يقول الباحث محمد الدعمي إن المرء لا يبالغ عندما يدعي أن «الكرد من أكثر الشعوب الشرقية نقاءً»، لأن أغلبيتهم من القبائل الجبلية التي تحيا بعيدة في مناطق وعرة وجبال يصعب الوصول إليها، لهذا يضيف الباحث: نجد البشرة ذات اللون الأبيض والشعر الأشقر الذي يميز الأغلبية العظمى من الكرد. ذلك أنهم من أنقى الشعوب الآرية في العالم، ورغم أن اللغة الكردية ليست لغة واحدة محكية من كل الأكراد، حيث إنها متأثرة ومؤثرة باللغات والثقافات المحيطة بها، وتبقى اللغة الكردية في تنوعها أكثر قرابة إلى اللغة الفارسية وإلى السنسكرية منها إلى اللغة العربية.
ويضيف الباحث محمد الدعمي: حاول بعض الكرد استبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية كما فعل الترك في عهد كمال أتاتورك، ربما بدوافع محاكاة الغرب على خطى الأتراك، بيد أن هذه المحاولات لم تلق النجاح الكافي لانتشارها وقبولها خصوصاً أن عيون الكتب والتراث الكردي مسجل بالأحرف العربية منذ مئات السنين، لذا تكون هذه المحاولات أشبه بدق إسفين بين الأجيال الكردية الناشئة وبين تراثها الثقافي القديم المسجل بالأحرف العربية (مجلة المعرفة نوفمبر 2004 ص40).
ويؤكد العلماء أن اللغة الكردية تختلف عن اللغة الفارسية في الأصل والبنية، وأن الكردية مستقلة عنها تمام الاستقلال.
كما أن لغات غربي إيران تنقسم إلى شمالية وجنوبية.
ويشمل الفرق بين اللغتين التلفظ والبنية والصيغة وقواعد الصرف والنحو (أكراد تركيا، د. الداقوقي بيروت 2003، ص359).
وعن نمو اللغة الكردية وتطور لهجاتها والاقتباس عن اللغات المجاورة يقول نفس الباحث «نتيجة للاتصال السياسي والاجتماعي والجغرافي والديني فقد دخلت العديد من المفردات العربية والفارسية والتركية والآرامية والأرمنية والكلدانية في اللغة الكردية، مما أدى إلى إثراء اللغة الكردية وإيفائها لحاجات المتكلمين بها في حياتهم اليومية، في مختلف أرجاء كردستان مع عدم تأثيرها في أصل اللغة الكردية وبنيانها المستقلة رغم تعدد لهجاتها.
وللرحالة التركي الشهير أوليا جلبي 1611- 1679 شهادة عن ثراء اللغة الكردية، فقد ذكر أن اللغة الكردية تنقسم إلى خمس عشرة لهجة، وقد تجول جلبي في الدولة العثمانية قبل أن يكتب موسوعة «سياحت نامة» بالتركية، حيث ترجمت إلى العديد من اللغات، ومن هذه اللهجات «ظاظا، لولو، محمودي، شيرواني، سنجاري، سوراني، خالدي، عمادي... إلخ».
وفيما يرى المستشرق الروسي مينورسكي أن التباين في اللهجات الكردية ليس كغيرها في المنطقة مثل منطقة «البامير» pamirs إلا أن الحقائق تؤكد الفجوة الواضحة بين كبرى اللهجات مثل «الكرمانجية» و«السوراتية» وتنقسمان بدورهما إلى لهجات مختلفة اليوم، ويعتبر أتباع كل مجموعة لهجتهم الأفضل والأنقى، ويلاحظ المتابعون أن اللهجات الكردية المتنوعة تعرضت في البلدان، التي يسكنها الأكراد، لتأثيرات كبيرة من اللغات الرسمية في تلك البلدان من ناحية المفردات والنحو والصرف أيضاً (الأكراد من العشيرة إلى الدولة موسى مخول بيروت 2013 ص36).
ويرى البعض أن لهجة السليمانية قد بدأت تجتذب الاهتمام منذ أوائل القرن العشرين، بسبب ظهور المدارس فيها، وصدور الصحف، والتركيز على الاهتمام السياسي من قبل الحكم الوطني في العراق، والتدريس باللغة الكردية بناء على القانون (74/1931) الذي نص على استخدام اللغة الكردية في المدارس والمحاكم تطبيقاً لتوصيات عصبة الأمم.
ومما زاد في شهرة لهجة السليمانية ظهور عدد من الشعراء المشهورين الذين كتبوا أشعارهم باللهجة السورانية والمكرية، كما نشر فيها عدد كبير من الكتب والقصص والمجلات والجرائد في العراق وإيران، ويعتقد بعض المثقفين الأكراد أن هذه اللهجة هي الأكثر تطوراً من بقية اللهجات الكردية، وأنها قد اغتنت باشتقاقات ومصطلحات كثيرة خلال الخمسين سنة الأخيرة، مما يجعلها أفضل من بقية اللهجات.
أثار الإحياء الأدبي واتساع حركة النشر العديد من الأسئلة والمحاور، فقد طرح التساؤل بأي لغة يكتب الأدباء والمؤلفون الكرد؟ وهل هناك لغة أدبية مشتركة بين الكرد؟ ثم ان الأدب الكردي كان منذ اللحظات الأولى لميلاده بصدد تثبيت شخصيته واستقلاليته إزاء الأدب الفارسي. وفي بداية القرن العشرين ومطلع الحرب العالمية الأولى توفرت مقومات تأسيس مركزين ثقافيين كرديين أحدهما في دمشق والثاني في بغداد وشمال العراق، حيث تأسست المطابع ودور النشر وصدرت الكتب والصحف وتأسست الأندية والجامعات، كما صدرت في القاهرة كتب كردية بالغة الأهمية مثل «شرفنامة».
وقد اختارت الكتب الأدبية الكردية المطبوعة في السنوات الأخيرة في دمشق الحرف اللاتيني شبيها بالحرف المستعمل في تركيا منذ العهد الكمالي، كما الكتب الأدبية الكردية المطبوعة في بغداد، فكان يستخدم في طبعها الحرف العربي الذي أدخلت عليه بعض الإصلاحات والتحويرات (الأكراد موسى مخول ص39).