اليمــــن... صفــــرٌ على الشمــــال

نشر في 05-10-2025
آخر تحديث 04-10-2025 | 20:13
وفق تقرير: «تشير التوقعات إلى أن اليمن لن يتمكَّن من تحقيق أيٍّ من أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030 حتى بحال عدم نشوب النزاع مُجدداً، فهذا البلد تبلغ خسائره حتى 2019 نحو 89 مليار دولار».
 محمد علي ثامر

يكاد اليمن يكون الغائب غير الحاضـر في كل المؤشـرات والتقارير التنموية العالمية، فلا وجود له في تقارير «التنمية البشـرية، والابتكار، والتعليم، والصحة، والبنية التحتية، والحوكمة»، ولا في المؤشـرات الاقتصادية والاجتماعية، وإن ظهر ففي المراتب الأخيرة، وقد يُستثنى منها لغياب البيانات الرسمية.

وخلال مراجعتي لكل ذلك، يكاد المرء يبكي حُرقةً، راثياً تلك الحالة التي وصل إليها، كنتاج لأطماع السياسيين وأحزابهم وطوائفهم، التي قضت على البلد برمته، وأشعلوا الحرب الأهلية (2014 – 2025م) فيه، والتي مثَّلت العامل الأشد قسوةً، والقوة الأكثر تدميراً لمسار تنميته، إذ دمرت بنيته التحتية، وأوقفت عجلة اقتصاده، وشُتتت موارده الشَّحيحة، وحوَّلتها إلى تـمويلات لآلة الحرب أكثر منها لخدمة المواطن.

وهذه الانعكاسات بالطَّبع لا تقتصـر على الأرقام أو التقارير فقط، بل تظهر في واقعه اليومي، فـ 80 في المئة من سُكانه تحت خط الفقر، يرافقه انهيارٌ للعملة المحلية، وفقدانها لقيمتها الشـرائية، وتفشٍّ للأوبئة، وسوء التغذية، وتضاعف معدَّلات الأُمية، وتوقف مرافقه الصحية.

ووفقاً لتقرير «Yemen Economic Monitor»، الصادر في ربيع 2025 عن البنك الدولي، أنه «يواجه توترات داخلية مع حظرٍ لتصدير النفط، وقيود على القطاع المصـرفي، وانخفاض في المساعدات، وكُلها عوامل تزيد من الضغوط على اقتصاده الهش».

وذهب تقريرٌ آخر للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة إلى رؤيةٍ أكثر سواداً، حيث يقول: «تشير التوقعات إلى أن اليمن لن يتمكَّن من تحقيق أيٍّ من أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030 حتى في حال عدم نشوب النزاع مُجدداً، فهذا البلد تبلغ خسائر ناتجه القومي حتى 2019 نحو 89 مليار دولار، وسترتفع عام 2030 إلى 657 ملياراً».

كما أن انتشار الفساد المؤسسـي، الذي يُعدُّ أحد أبرز المعوقات، تفاقم مع تصاعد الصـراع إلى مستويات غير مسبوقة، لتُدار موارده البسيطة بشكلٍ غير شفاف، وعبر شبكات الفساد والمحسوبية، الأمر الذي جعله منظومةً متجذرةً تنخر في كل قطاعات الدولة الغائبة.

وجاء اليمن في مؤشـر مدركات الفساد لعام 2024 بالدرجة 13/ 100، والمرتبة 173 من أصل 180 دولةً، وهو من أدنى التَّصنيفات في العالم.

أضف إلى ذلك، غياب الرؤية الاقتصادية، وانهيار مؤسسات الدولة، وتهجير الكفاءات، ما جعله يعيش على هامش العالم، في وقتٍ تحقق مختلف دُوله تقدُّماً كبيراً، بل تتسابق في مسارات الخريطة التنموية العالمية.

والمفارقة العجيبة أن هذه التقارير والمؤشـرات لم تعد تـملك بيانات مُحدَّثة عن اليمن، لغياب دور مراكز الإحصاء الوطنية القادرة على تقديم الأرقام. هذا الغياب جعله «غير مرئي» في هذه التقارير والمؤشـرات، وكأنه خارج الخريطة تماماً، ما يعكس حجم التَّدهور في البنية المؤسسية له، وفداحة غياب بياناته، لينطبق عليه وصف الكثيرين بأنه «صفرٌ على الشمال». وهذا التعبير ليس مجازاً فقط، بل تنعكس مآسيه في أرقامٍ وتقاريرٍ دولية ترصد الفجوة المُتَّسعة يوماً بعد آخر بين الواقع اليمني وبين العالم، بل يقف خارج الزَّمن التَّنموي. لكن رغم هذا السَّواد، فإن استعادة الدولة، ووقف الحرب، ومكافحة الفساد، وبناء مؤسسات قوية قادرة على استيعاب الكفاءات الوطنية، تبقى المدخل الحقيقي للخروج من الهامش إلى المتن، فلا نهضة بلا سلام، ولا تنمية بلا دولة، ولا مستقبل لليمن إن ظلَّ أسير الحرب والفوضـى.

*صـحـــــافــي يمنــــي

back to top