الدور الغائب للجنة الإعلام العربي

نشر في 05-10-2025
آخر تحديث 04-10-2025 | 20:12
 أ. د. فيصل الشريفي

يا تُرى لو سألنا الضمير العالمي عن الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في حق السكان العُزَّل لقطاع غزة، وعن عدد القتلى والجرحى من الأطفال والشيوخ والنساء والأبرياء، والدمار الذي طال المستشفيات والمدارس والبيوت، وعن حاجات السكان الأساسية من غذاء ودواء وكهرباء وماء، وغيرها من مستلزمات الحياة الأساسية، يا تُرى ماذا ستكون الإجابة؟

حتماً ستكون الإجابة متفاوتة من مجتمعٍ لآخر، فعلى سبيل المثال من الممكن أن تجد المجتمع الكويتي جله يتعاطف ويُناصر هذه القضية، بسبب نشأته على عدالتها، واستمرارية الإعلام الرسمي وغير الرسمي معها، لكن في المقابل سوف تجد معظم المجتمع الهندي ليس بالضرورة أن يكون على ذات الموقف، بسبب غياب الإعلام الهندي عن تغطية الجرائم التي يقوم بها الكيان الإسرائيلي، هذا إن كان بالأساس يعرف أين تقع غزة.

هذه القاعدة ليست استثناء، فاليوم التعاطف الدولي مع ما يحصل في غزة يعود فضله للناشطين في الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، الذين استطاعوا إيصال معاناة سكان غزة، مما أوجد خطاً موازياً للإعلام الصهيوني والغربي الذي يتستر على الجرائم التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي.

نتائج هذا الحِراك الإعلامي أجبرت معظم الحكومات الغربية على مراجعة موقفها المساند لإسرائيل، حتى وصل الأمر لبعض الحكومات إلى قطع العلاقات مع إسرائيل، ومنع المسؤولين عن ملف الحرب من دخول أراضيها، والمطالبة بتقديمهم للمحاكم الجنائية. لذلك عندما نتكلم عن دور الإعلام في التأثير على الرأي الشعبي والرسمي، فإننا نتكلم عن واقعٍ أثبتته التجارب.

اليهود نجحوا في كسب التعاطف الدولي بسبب الممارسات التي قام بها النظام النازي، من خلال تعظيم مشاهد المجازر والمعتقلات ومحارق الهولوكوست، عَبر توثيقها بأكثر من وسيلة إعلامية، بل إن كبرى شركات الإنتاج العالمية المملوكة لليهود خصصت لها أضخم الميزانيات لإنتاج المسلسلات والأفلام السينمائية، كي تكون هذه الجرائم حاضرة في الأذهان، ولتبقى مادة دسمة لكسب التعاطف.

أثناء تصفُّحي لموقع جامعة الدول العربية، لفت انتباهي وجود تسع لجان دائمة تُعنى بتحقيق التعاون بين الدول العربية عبر مشروعات واتفاقيات تُعرض أولاً على المجلس للنظر فيها، تمهيداً لرفعها إلى الدول الأعضاء، ومن بين هذه اللجان لجنة الإعلام العربي، التي تمعَّنت فيها طويلاً للتأمل في طبيعة التعاون الإعلامي المنشود، وما يمكن أن تحمله رسالته في السياق العربي المشترك.

جدير بالذكر، أن من جُملة أهداف لجنة الإعلام العربي، دعم القضية الفلسطينية، والحفاظ على عُروبتها، إلى جانب إبراز معاناة الشعب الفلسطيني. غير أن المتأمل في الدور الإعلامي العربي، لا سيما فيما يتعلَّق بإيصال معاناة سكان قطاع غزة إلى العالم، يجد أن هذا الدور غالباً محصور في مَحَاضِر الاجتماعات، من دون أن يُترجم إلى تأثيرٍ فعلي واسع النطاق.

إن تعزيز الرسالة الإعلامية العربية لا يقتصر على الداخل العربي فحسب، بل يجب أن يمتد إلى الشعوب الأخرى، عَبر تبنِّي استراتيجيات إعلامية متعددة اللغات، لا سيما باللغات الأكثر انتشاراً، مثل: الإنكليزية، والفرنسية، والإسبانية، وكذلك الاعتناء باللغات المؤثرة الأخرى، مثل: الألمانية، والصينية، والهندية، بهدف كسر احتكار السرديات الصهيونية، وفي المقابل جعل القضية الفلسطينية حاضرة في الضمير الإنساني العالمي بشكلٍ أوسع وأكثر عُمقاً.

ودمتم سالمين

back to top