«جائزة نوبل» وحرب غزة...
«على العالم الإسلامي أن يُصلح خطأه الذي ارتكبه عام 1948 عندما اختار الهجوم بدلاً من الاعتراف بدولة إسرائيل الجديدة»... ديباجة لخطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ خمسة أعوام في ولايته الأولى، عندما أعلن «صفقة القرن» لتصفية القضية الفلسطينية، حيث اعتقدنا، آنذاك، أنها طرحٌ من الخيال، ولإرضاء زوج ابنته الصهيوني اليهودي الأصل. صفقة أشبه ما تكون بوعد بلفور «وعد مَنْ لا يملك لمَنْ لا يستحق»، بجعل القدس عاصمة موحَّدة لإسرائيل، بعد أن نقل إليها ترامب السفارة الأميركية، كأول رئيس يفعل ذلك. تضمَّنت الصفقة بقاء المستوطنات، وإلغاء حق العودة، ونزع سلاح غزة والمقاومة، وبقاء السيادة الإسرائيلية على الأراضي العربية تحت سيطرتها، وتقطيع أوصال الدولة الفلسطينية.
«صفقة القرن» التي استهزأنا بها كانت ستُنقذ مئة ألف ضحية، وتُبقي غزة سلمية، وكانت ألف مرة أرحم من «جريمة القرن» في 7 أكتوبر، التي أشعلها الإخوان من «حماس» المُختبئون بفنادق دولة خليجية، وبالأنفاق، ليُقتل الفلسطينيون، وتقطَّع أشلاؤهم، وتُدمَّر غزة. فلأول مرة بالتاريخ يحمي جيش المقاومة نفسه بالأنفاق، تاركاً الأهالي في العراء للقنص والقصف. لذلك لم يُعيروا اهتماماً، وماطلوا في المفاوضات، حتى نفد وقودهم وانهاروا، ليستسلموا يوم الجمعة الماضي، مُنصاعين لمقترح ترامب، بعد ارتكابهم أبشع جريمة إنسانية في الشرق الأوسط بالقرن الواحد والعشرين!
طبعاً بعد استسلام «الإخوان»، ستزداد مُطالبة الرئيس ترامب بالحصول على جائزة نوبل للسلام، التي صرَّح بها، وإذا تحقق ذلك، فستتطابق سيرته الذاتية مع جزءٍ بسيط من سيرة وزير خارجية أميركا ومستشارها القومي (1969- 1977) د. هنري كيسنجر، فكلاهما يكون قد ساهم في إشعال حروب دامية، كيسنجر في حرب فيتنام وكمبوديا وتشيلي وتيمور الشرقية، وترامب في غزة ومحيط دول الخليج، وسيكون كلاهما حاصلاً على الجائزة، فكيسنجر حصل عليها خريف عام 1973، والآخر ربما يحصل عليها بعد كل هذه الضغوط التي يمارسها الآن!
لقد كتبنا مقالاً منذ ثلاثة عشر عاماً عن جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها كيسنجر مع رئيس فيتنام الشمالية لي دوك ثو، والتي تسلَّمها كيسنجر، ورفض ثو تسلمها، ولكي يحصل عليها كيسنجر نفذ أكبر عملية قصف بالتاريخ على فيتنام سُميت «11 يوم وليلة»، لإجبارهم على وقف إطلاق النار، لتستطيع أميركا الخروج من أضخم حرب بشكلٍ يبدو مقبولاً، لكنها كانت أكبر هزيمة مُخزية توَّرطت فيها واشنطن كلَّفتها تريليون دولار، وفق التقديرات، وحياة قُرابة ستين ألف جندي أميركي خلال عشرين عاماً. أما فيتنام، فخسرت مليونين ونصف المليون ضحية، لكنها انتصرت بانسحاب أميركي مذل، وتوحَّدت فيتنام الشمالية والجنوبية.
في مقارنةٍ بسيطة بين حربي فيتنام وغزة، كلتاهما كانتا بشعتين داميتين. أما الفرق الشاسع بينهما، فالأولى هُزمت فيها أميركا وانتصر الفيتناميون أصحاب الأرض، والثانية انتصرت فيها إسرائيل وهُزم الفلسطينيون أصحاب الأرض.
إن السخرية في كلتا الحربين أن نهايتهما وُصفت بالسلام، والأكثر سخرية أن هذا السلام لكي يتحقق، فقد استُخدمت في نهاية الحربين أبشع مجازر بشرية، وأضخم قصفٍ على مَرِّ التاريخ.
أما المُضحك في الحربين، أن جائزة نوبل للسلام أُعطيت للذي كان يعزف أوركسترا الحرب، ويُصمِّم ألحانها، ويُدير نغماتها، في حرب فيتنام، وربما ستُعطى للرئيس الأميركي بعد حرب غزة، لتكونا جائزتَي السلام الأكثر دموية على الإطلاق، واللتين ننصح بطلائهما باللون الأحمر!
أما «حماس»، فيجب أن تنال جزاء جرائمها بالأرض والشعب، في محاكمة عادلة سريعة تزج بهم للمقصلة.
إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.