بين الصمود والجحود... غزة باقية
مضت سنتان منذ السابع من أكتوبر، والبعض يتحدث وينظر ويحلل، وكأن تاريخ الاحتلال الصهيوني لفلسطين قد بدأ قبل عامين لا قبل 77 عاماً.
اختزال غريب للحقائق والتاريخ والأحداث: فقد شهدت الخمس وسبعون سنة السابقة على 7 أكتوبر العديد من النكبات الفلسطينية نكبةً تلو الأخرى، وتهجيراً يعقبه تهجير، وتصفيةً وتقتيلاً وإبادةً شرسةً تُمارَس، وحصاراً وجدراناً وأسواراً حول الناس تكبّلهم وتقيد حركتهم، ووحوشاً بشرية تتلذذ بسفك الدم الفلسطيني والعربي والإسلامي. أحداث تخللتها حروب بين الدول العربية والكيان الصهيوني المغتصب الذي كان دائماً يحظى بإسناد ودعم ومشاركة من القوى الاستعمارية الغربية: أميركا وأوروبا.
أحداث وتاريخ من المقاومة والمواجهة الفلسطينية– الصهيونية منذ نشأة الكيان ومروراً بالستينيات والسبعينيات ثم عام 1982. وفي غزة وحدها ما يزيد على ثلاثة حروبٍ شرسةٍ شنّها الكيان الصهيوني عليها... سجلٌ حافل بالمآسي والنكبات والألم، فقد عاش الفلسطينيون خصوصاً والعرب عموماً تلك المراحل، وقد نشأ الفلسطيني منذ نعومة أظفاره مشرداً خارج بلاده أو مضطهداً ومهاناً داخل أراضيه تحت احتلال صهيوني وحشي، جعل كل الفلسطينيين يعيشون في ظل أكبر سجون العالم المفتوحة، فكل شيء يملكه الفلسطيني مباح، حياته، وأرضه، وعرضه، وبيته وممتلكاته، والوضع يزداد سوءاً يوماً تلو الآخر، ورافق ذلك خذلان عربي واسع وخائف، فكان السابع من أكتوبر هو نفس التحرر الوطني والمقاومة المشروعة للفلسطينيين، وبدأت من غزة (ولسنا هنا بصدد تقييم ذلك قراراً وتوقيتاً، فذاك يُدرَس منفرداً)، لكن لا بدّ من إبراز أنها حقيقة نابعة من معاناة شعب يعيش تحت نير احتلالٍ وحشي ووغدٍ، يُحسب عليه حتى نبضات الحياة في جسده.
وفي حرب السنتين على غزة منذ السابع من أكتوبر، أظهر أهل غزة ومقاومتهم شجاعة فريدة وبطولات استثنائية وصموداً أسطورياً، رغم الحرب الشعواء التي مولتها أميركا والغرب وما أمدّوها به من جميع أنواع الأسلحة والمعدات الفتاكة التي دمرت الحجر والبشر على نحوٍ لم تشهده حتى الحروب العالمية السابقة.
وقد عاش أهل غزة فعلاً «الجحيم» الذي وعدهم به ترامب من إبادة جماعية، وتفجير يومي بالقنابل والصواريخ، وتدمير كامل للمساكن والبنية التحتية، وتجويع ممنهج وموت بالمجاعة، فضلاً عن محاولات تهجير متكررة ونزوح تلو نزوح.
ورغم كل ذلك: صمد أهل غزة صموداً أسطورياً! تمسّكوا بأرضهم وقاوموا الاحتلال، فظهرت خطط ومخططات بديلة لكسرهم! بعد أن فشل مخططهم وانكسرت هيبة «الجيش الذي لا يقهر» وضاقت فلسطين على الصهاينة — وستظل ضيقة عليهم دائماً — فمن أفشل ما سبق فسيفشل القادم دون شك!
حتى وصلنا إلى ما يسمى بخطة ترامب التي أُعلنت يوم أمس، وهي خطة أُعدّت بواسطة ويتكوف وبرايمر وبلير. ورأينا أنها خطة أعطت الكيان الصهيوني كل ما كان يعلنه ويطالب به، وجردت الفلسطينيين من كل شيء: أرضهم وسلطتهم ودولتهم المأمولة في نطاق ما يسمى حل الدولتين، فهي خطة نسفت المبادرة العربية وكل مرجعياتها!
وأمام حالة الصمود الفلسطيني في غزة والمعاناة الراهنة لأهل غزة في ظل مجاعة قاتلة وبنية تحتية مدمرة وإبادة مستمرة، أجد أن البيان الذي أصدرته الدول العربية والإسلامية المشاركة في اجتماع نيويورك يعد ملاذاً للفلسطينيين - السلطة والمقاومة وحماس - بما ورد فيه من تعديلاتٍ وتحفّظاتٍ ومسارٍ مبني على منطلقاتٍ نابعةٍ من المبادرة العربية، وهي تتلخص، كما ورد بالبيان، في ما يلي:
• إنهاء الحرب بالكامل في غزة.
• انسحاب كامل للصهاينة من غزة.
• إدخال المساعدات فوراً بلا قيود.
• عدم تهجير سكان غزة.
• إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة والقدس.
ولذا أرى - والأمر لهم فهم أدرى بشؤونهم - أن يتم القبول بخطة ترامب مشفوعةً بتلك التعديلات والتحفّظات وذلك المسار، وهو المخرج المتاح حالياً للخروج من الوضع الراهن، وإعادة غزة إلى حياةٍ آمنةٍ والتئام الجراح والإعمار.
وكلنا يقينٌ بأن المعركة مع العدو الصهيوني معركة وجود لا حدود، وهي طويلة وباقية ما بقي الاحتلال جاثماً على أرض فلسطين.