هل انتهى الصراع فعلاً؟
يبدو أن السؤال الأهم اليوم ليس ما إذا كان الصراع في غزة قد انتهى فعلاً، بل أي شكل من «النهاية» يُراد له أن يُفرض؟ الخطة التي طرحها الرئيس الأميركي ترامب قدّمت نفسها باعتبارها «خطة سلام شاملة»، لكنها عملياً وضعت «حماس» أمام خيار واحد: الاستسلام، فإمّا أن تستسلم بشروط مضمونة لخروج مقاتليها أو عفوٍ عام، أو أن تُستأصل كلياً... إنه خيار اللا خيار.
ومع تقدّم الجيش الإسرائيلي نحو معاقل «حماس» الأخيرة، تبدو لحظة الحسم قريبة، بما لا يترك أمام الحركة سوى قبول الحلّ الذي يُملي عليها واقعياً التخلّي عن سلاحها والخروج من غزة.
المفارقة أن الخطة لم تذكر شيئاً عن الدولة الفلسطينية، ولا حتى تعهّداً جدياً بحلها. جوهر الطرح يدور حول توسيع دائرة اتفاقات إبراهام لتشمل مزيداً من دول الخليج. لكن موقف السعودية، باعتبارها الدولة الأكثر وزناً في المنطقة، لا يزال ثابتاً: لا سلام بلا دولة فلسطينية. وهو موقف يصطدم بتعنّت إسرائيلي رافض منذ البداية لأي حلّ يكرّس الدولة.
الكاتب الأميركي توماس فريدمان أشار إلى أن ما يجب الالتفات إليه ليس ما يقوله نتنياهو بالإنكليزية في مقابلاته أو خطاباته، بل ما سيقوله بالعبرية لشعبه ووزرائه. ففي الولايات المتحدة يكذب الرسميون في العلن ويقولون الحقيقة في الغرف المغلقة، بينما في إسرائيل المعادلة مقلوبة: العلن هو الحقيقة الصلبة، أما الغرف المغلقة فلا تحمل جديداً.
قد يبدو حلم الدولة الفلسطينية بعيداً، لكن الأهم الآن هو وقف المجزرة المستمرة منذ عامين: قصف، وتجويع، وحصار خانق. لا «حماس» ولا إسرائيل ولا حتى العالم العربي ـ الإسلامي يشكّلون اليوم الأولوية، الأولوية هي رفع سيف الجوع والقتل عن المدنيين. هذه المأساة وحدها تبرّر أي اتفاق يوقفها، مهما كان مجحفاً سياسياً.
يبقى السؤال: هل فكّر قادة «حماس» قبل هجوم السابع من أكتوبر بما سيترتب عليه؟ هل قدّروا حجم الرد الإسرائيلي المتوقع، حتى مع مشروعية مطلب كسر الحصار الممتد منذ عقدين؟ ربما لم يحسبوا النتائج جيداً. نشوة الفرح والتهليل التي صدرت عن قطاعات واسعة في العالم العربي آنذاك تكشف أن الصراع مع إسرائيل لم يعُد يُخاض باعتباره مواجهة ضد استعمار كلونيالي فحسب، بل كصدام بين الواقعية والوهم، بين دولة صهيونية استندت إلى العلم والتكنولوجيا بعون غربي وجد فيها قاعدته الكبرى للحفاظ على مصالحه، ومجتمعات عربية ما زالت تلوذ بالخرافة وتسيّد عليها أنظمة متسلطة.
إذاً، هل انتهى الصراع؟ الجواب الأقرب هو: انتهى الشكل القديم للصراع، وباتت غزة أمام مسار جديد مفروض بالقوة، مسار يحدّد مستقبلها بعيداً عن أحلام الدولة المستقلة أو شعارات المقاومة المسلحة. ما يتبقى للشعب الفلسطيني الآن هو معركة البقاء، انتظار فسحة أمل تُعيد القضية إلى مسار سياسي أكثر واقعية، أو على الأقل إنقاذ أهل غزة من الموت البطيء.