أميركا تفقد قدرتها على ردع الصين
أعاد وزير الدفاع الصيني دونغ جون في 18 سبتمبر تهديد بلاده بضم تايوان، واصفاً استعادة الجزيرة بأنها جزء أساسي من «النظام الدولي لما بعد الحرب».
جاء ذلك بعد عرض عسكري ضخم في بكين استعرضت فيه الصين ترسانتها من الصواريخ والطائرات والأسلحة الحديثة، في رسالة واضحة مفادها أن بكين تمثل تحدياً متزايداً للولايات المتحدة، وأنها تقوِّض قدرتها على الردع في المنطقة.
الصين تبني قُدرات عسكرية متقدمة بوتيرة مذهلة: سفن حربية، طائرات مقاتلة، صواريخ بعيدة المدى، أنظمة فضائية، وهجمات سيبرانية. قدراتها الصاروخية البعيدة المدى تضاعفت خلال العقدين الماضيين، ما يجعل مواجهة الجيش الأميركي في أي نزاع محتمل حول تايوان اختباراً عسيراً، خصوصاً في «سلسلة الجزر الثانية»، التي تضم اليابان وغوام وجزر ماريانا وبالاو.
وجيش التحرير الشعبي يمتلك اليوم صواريخ باليستية وكروز يمكن إطلاقها من البر والجو والبحر لضرب السفن والطائرات والقواعد الأميركية في المنطقة، ويعززها بأسطول مقاتلات متقدمة مثل J-20 وJ-35 وقاذفات بعيدة المدى. كما يواصل تحديث أسطوله البحري فوق السطحي وتحت الماء، بما في ذلك الغواصات النووية وصواريخ مضادة للسفن.
الصين اليوم أكبر دولة لبناء السفن في العالم، وبنت عام 2024 وحده سفناً بالحجم نفسه الذي أنتجته الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأسطولها في طريقه إلى 425 قطعة بحلول 2030، متجاوزاً الأسطول الأميركي عددياً.
والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، الصين ضاعفت ترسانتها النووية منذ 2020 من 300 رأس إلى نحو 600، ومتجهة إلى أكثر من 1000 بحلول 2030، مع خمس منظومات نووية قادرة على ضرب البر الأميركي. نتيجة هذا التحديث العسكري أن الولايات المتحدة تفقد قدرتها على الردع، وباتت قواعدها وقواتها عُرضة للاستهداف قبل وصولها إلى ساحة القتال، وفقدت ميزة «التفوق الشامل» في جميع ميادين الحرب.
ومع ذلك، تمتلك الولايات المتحدة أوراق قوة يمكن استغلالها. نقطة ضعف رئيسية لدى بكين هي الحرب المضادة للغواصات، إذ ما زال جيشها يفتقر إلى القدرات والمنصات اللازمة لتعقب الغواصات الأميركية، ما يمنح واشنطن تفوقاً تحت سطح البحر. كما أن الفساد المستشري داخل الجيش الصيني يمثل نقطة ضعف أخرى، إذ أقال شي جينبينغ منذ 2023 قيادات كبرى في قوات الصواريخ بسبب فضائح فساد شملت الاحتيال في بناء الصوامع وتزوير سجلات الصيانة والتدريب، ما يثير الشكوك حول كفاءة العتاد. يُضاف إلى ذلك، أن الصين لم تخض حرباً كبيرة منذ نزاعها الحدودي مع فيتنام عام 1979، ما يجعل جيشها يفتقر إلى خبرة عملياتية حقيقية، رغم كثافة المناورات والمحاكاة.
والمشكلة أن واشنطن لا تتصرَّف بما يكفي من سرعة وحزم. انشغال القوات الأميركية بانتشار داخلي وعلى الحدود الجنوبية يستنزف الجاهزية العسكرية. كما أن الإنفاق الدفاعي الأميركي كنسبة من الناتج المحلي هو الأدنى منذ الحرب الباردة، رغم أن الولايات المتحدة تواجه اليوم منافساً ندياً.
والحل يتطلب إعادة بناء القاعدة الصناعية الدفاعية، وزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 4–5 في المئة من الناتج المحلي، وتبسيط عمليات الشراء والتعاقد لتسريع إنتاج أسلحة مبتكرة، مع الاستثمار في تقنيات تحت سطح البحر، وغيرها من المجالات التي تكشف ضعف الصين.
والصين تتحرَّك بسرعة لتعزيز قُدراتها وفرض أمر واقع في المحيطين الهندي والهادئ. وإذا أرادت الولايات المتحدة استعادة ميزان الردع، فعليها أن تتجاوز الخطابات، وأن تباشر خطوات عملية لإعادة بناء تفوقها العسكري.
* سيث ج. جونز رئيس قسم الدفاع والأمن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) ومؤلف كتاب «الحافة الأميركية: العلاقة بين التكنولوجيا العسكرية ومصادر هيمنة القوى العظمى»