رياح وأوتاد: هل هي ذنوب أهل غزة؟

نشر في 28-09-2025
آخر تحديث 27-09-2025 | 19:43
 أحمد يعقوب باقر

لا شك في أن المصائب والهزائم العسكرية لها أسبابها المادية، كما أن لها أيضاً أسبابها الشرعية، ولكن أن ينتشر أكثر من فيديو، عبر «واتساب»، يزعم فيها مَن صنعها أن الإبادة والمصائب التي تحدث في غزة إنّما هي عقوبة لهم على الذنوب والمعاصي التي يرتكبونها، ويعرض فيها بعض المشاهد المصورة المخالفة للشرع، فإن هذا استقراء باطل.

لأنه من المعروف شرعاً أن العقوبات والكوارث والمصائب، ومنها الهزائم العسكرية، تقع لأسباب مادية وشرعية عديدة جاءت في القرآن الكريم والسنّة المطهرة، منها لاستئصال الكافرين، كما حدث مع الأمم الغابرة، قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط، قال تعالى: «فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»، وهذا النوع من العقوبة لا يقع على المسلمين.

ومنها الابتلاء، وهو للامتحان والتمحيص: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ»، ومنها رفع الدرجات وتكفير الذنوب كما جاء في الحديث الشريف: «ما من مصيبة تصيب المسلم إلّا كفّر الله بها عنه، حتى الشوكة يُشاكها» (البخاري)، ومنها العقوبة الدنيوية للعصاة وأيضاً للتحذير من الاستمرار في المعاصي كقوله تعالى: «وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»، وقد فسّرت السيدة عائشة العذاب الأدنى بأنه مصائب الدنيا، ولعلهم يرجعون، أي يعودون إلى الله، أي أن المصائب قد تقع على البلاد والشعوب حتى وإن كان فيهم صالحون.

لذلك لا أحد يستطيع الجزم بالتحديد أن المصيبة التي وقعت على شعب غزة إنّما هي عقوبة للجميع بسبب معصيتهم، لأن هذا تقوُّل على الله، خصوصاً أن فيهم المؤمنين والصابرين والمجاهدين وأصحاب المعاصي الصغيرة والكبيرة، مثل أي شعب آخر.

وقد تحلّ المصيبة في بيت واحد أو شعب واحد، فتكون عبارة عن عقوبة على بعضهم، وزيادة إيمان المؤمنين منهم ورفع درجاتهم عند الله، وفي الوقت نفسه تكون تحذيراً لبعضهم لعلهم يرجعون عن المعصية التي كانوا فيها، وتكون ابتلاءً وتمحيصاً للآخرين.

ففي غزوة أحُد ترك الرماة مواقعهم لجمع الغنائم. قال تعالى: «حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ»، ثم وقعت المصيبة والغمّ، قال سبحانه: «إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ»، وقُتل من المسلمين من قُتل، ولكن الغزوة كان فيها أفضل خلق الله، فكانت تمحيصاً رفع الله بها درجاتهم ومكانتهم، قال تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ».

فالصحيح إذاً أن المصيبة قد تكون ابتلاءً وامتحاناً للبعض، وعقوبةً لغيرهم لعلهم يرجعون وتكفيراً لذنوب ورفع درجات لآخرين.

أيضاً فإن أحداث غزة هي مصيبة لكل المسلمين، أما المعاصي التي يشيعها أصحاب أشرطة الفيديو عن غزة فلا تكاد تخلو منها بلاد العرب والمسلمين، وأعتقد أن سبب صنعها وإرسالها بهذا الشكل المسيء هو تخذيل المسلمين عن نصرة إخوانهم المظلومين في غزة، فلنكن على حَذَر، ولتكن عندنا ثقافة شرعية عن أسباب وقوع المصائب.

back to top