دراسة: الكويت وثورة الذكاء الاصطناعي... السياسات اللازمة (2)

• هناك حاجة إلى إصلاحات تشريعية أولية في البلاد لتحقيق الهدف المطلوب
• تأسيس منظومة استثمارية متطورة من خلال الاستثمار المباشر في الشركات الرائدة بالمجال

نشر في 25-09-2025
آخر تحديث 25-09-2025 | 18:36
 يوسف السيد يعقوب الرفاعي

تطرقنا في الجزء الأول من الدراسة، أمس، إلى دور الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد وسوق العمل وقطاع الأبحاث، وغيرها من النواحي ذات العلاقة.

واليوم نستكمل استعراض الدراسة فيما يتعلق بكيفية تحقيق الإصلاحات المطلوبة في الكويت لتحقيق أهداف الذكاء الاصطناعي.

وتتمثل الإصلاحات التشريعية الأولية المطلوبة في الكويت لتحقيق هذا الهدف بالنقاط الآتية:

اقرأ أيضا

إنشاء الصندوق الكويتي الاستراتيجي للاستثمار في الذكاء الاصطناعي:

يهدف الصندوق إلى تأسيس منظومة استثمارية متطورة تضع الكويت في قلب ثورة الذكاء الاصطناعي العالمية، من خلال الاستثمار المباشر في الشركات الدولية الرائدة بهذا المجال، وهذا الصندوق ليس مجرد أداة استثمارية، بل جسر استراتيجي يربط الكويت بمستقبل التكنولوجيا العالمية.

يركز الصندوق على التمويل المباشر والشراكات الاستراتيجية مع الشركات العالمية الرائدة في مجالات الذكاء الاصطناعي المتعددة، بما في ذلك التعلم الآلي لمعالجة اللغات الطبيعية، والرؤية الحاسوبية والذكاء الاصطناعي التوليدي، وسيتم توجيه الاستثمارات نحو الشركات التي تظهر إمكانات نمو استثنائية وتأثيراً حقيقياً على الصعيد العالمي.

الشروط الاستراتيجية للاستثمار:

برنامج توظيف وتطوير الكوادر الكويتية

يلزم الصندوق الشركات المستثمر فيها بتطبيق برنامج شامل لتوظيف وتدريب المواطنين الكويتيين في مكاتبها ومراكزها العالمية، ويشمل هذا البرنامج:

- توظيف حد أدنى من المواهب الكويتية في المناصب التقنية والإدارية العليا.

- برامج تدريب متخصصة لمدة 2 - 24 شهراً في المقار الرئيسية للشركات.

- فرص التطوير المهني المستمر والمشاركة في المشاريع الدولية الكبرى.

- برامج التبادل المعرفي بين الخبراء الدوليين والكوادر الكويتية.

تأسيس مقار إقليمية في الكويت

تلتزم الشركات المستفيدة بإنشاء مقار إقليمية متكاملة في الكويت تشمل:

- مراكز للبحث والتطوير بطاقة استيعابية لا تقل عن 50 - 100 موظف.

- مختبرات للابتكار والذكاء الاصطناعي مجهزة بأحدث التقنيات.

- مراكز تدريب إقليمية لخدمة دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط.

- وحدات تطوير الأعمال لاستكشاف الفرص في الأسواق الإقليمية.

الالتزام بنسب التكويت في الجهات وتأهيل الخبرات الكويتية.

تأسيس صندوق استثماري بهذا المجال، أسوة بالصين والهند وفرنسا والسعودية والإمارات، وغيرها من الدول، سيحقق مجموعة متكاملة من المنافع الاستراتيجية للاقتصاد الكويتي، حيث سيساهم في بناء جيل جديد من الخبراء الكويتيين المتخصصين في تقنيات الذكاء الاصطناعي، القادرين على قيادة التحول الرقمي في القطاعات الحيوية، مما يعزز رأس المال البشري الوطني بشكل غير مسبوق.

وسيؤدي الصندوق دوراً محورياً في تنويع الاقتصاد الكويتي، وتقليل الاعتماد على النفط من خلال بناء اقتصاد معرفي قائم على التكنولوجيا المتقدمة، مع تحويل الكويت إلى مركز إقليمي للذكاء الاصطناعي يجذب المزيد من الاستثمارات والشركات التقنية العالمية.

هذا التحول سيضمن وصول أحدث التقنيات والممارسات العالمية إلى السوق الكويتي بشكل مباشر، مما يسرّع من عملية نقل المعرفة والتكنولوجيا ويعزز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني في الأسواق العالمية.

ولضمان تحقيق هذه الأهداف الطموحة، يجب أن يخضع الصندوق لإدارة مجلس يضم نخبة من الخبراء المحليين والدوليين في مجالات الاستثمار والتكنولوجيا، مدعوماً بلجنة استشارية تقنية متخصصة تتولى مسؤولية تقييم الفرص الاستثمارية، وضمان اتخاذ القرارات المدروسة القائمة على الأسس العلمية والتحليل الدقيق.

كما يجب أن يتبنّى هذا الصندوق نهجاً تكاملياً من خلال بناء شراكات استراتيجية مع المؤسسات الأكاديمية الكويتية والمراكز البحثية المتخصصة، بهدف ضمان التكامل الفعال بين الاستثمار والتعليم والبحث العلمي، مما يخلق منظومة متكاملة للابتكار والتطوير تغذي بعضها البعض.

إنشاء مجلس وطني أعلى للذكاء الاصطناعي والبيانات:

ينشأ هذا المجلس بقيادة ديوان رئيس مجلس الوزراء وعضوية وزارات المالية، الاتصالات، التعليم العالي، النفط، والتخطيط، لتنسيق السياسات وتمويل المشاريع وتسريع تبنّي الذكاء الاصطناعي عبر القطاعات في جوهره، ويسعى المجلس إلى تحقيق 3 أهداف استراتيجية كبرى: أولاً، تحويل الكويت من اقتصاد أحادي يعتمد على النفط إلى اقتصاد متنوع قائم على المعرفة والابتكار.

ثانياً، بناء ميزة تنافسية مستدامة في عصر الثورة الصناعية الرابعة من خلال الاستثمار الاستراتيجي في التقنيات الناشئة.

ثالثاً، تحسين نوعية الحياة للمواطنين من خلال توظيف الذكاء الاصطناعي في تطوير الخدمات العامة وخلق فرص عمل نوعية جديدة.

تستند ضرورة إنشاء هذا المجلس إلى أدبيات الحوكمة الرقمية والدروس المستفادة من التجارب الدولية الناجحة. فوفقاً لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 2023 (OECD) حول استراتيجيات الذكاء الاصطناعي الوطنية، تُعد المركزية التنسيقية عاملاً حاسماً في نجاح التحول الرقمي، حيث إن 87 بالمئة من الدول التي حققت تقدماً ملموساً في مؤشر الجاهزية للذكاء الاصطناعي تمتلك هياكل حوكمة مركزية مماثلة. فقد قامت بعض الدول بتأسيس وزارات كاملة مختصة بالذكاء الاصطناعي، من ضمنها كندا، الإمارات، فرنسا، المملكة المتحدة، لبنان، تايوان وغيرها.

النموذج الإماراتي، المتمثل في وزارة الذكاء الاصطناعي ومجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي، يوفر دليلاً تجريبياً على فعالية النهج المركزي، حيث قفزت الإمارات من المرتبة 49 إلى 16 عالمياً في مؤشر الابتكار العالمي خلال 5 سنوات.

وبالمثل، نجحت سنغافورة، من خلال مكتب الحكومة الذكية، في تحقيق معدل تبنّي للخدمات الرقمية يتجاوز 95 بالمئة بين المواطنين.

تحويل صندوق المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى صندوق وطني لرأس المال الجريء (Venture Capital):

يُعد هذا التحويل خطوة استراتيجية للكويت، لأن طبيعة الشركات التقنية الناشئة لا تناسب التمويل بالقروض، بل تحتاج تمويلاً بالملكية يشارك المخاطر، ويجذب خبرات تشغيلية من مستثمرين محترفين. النموذج الحالي للصندوق يواجه تحديات أبرزها ملاحظات ديوان المحاسبة بشأن ضعف الرقابة الداخلية، تعثّرات في تحصيل الديون، وبيروقراطية تعيق سرعة التنفيذ، مما جعل الأثر الاقتصادي دون حجم الأموال المرصودة، لذلك فإن إعادة توجيه رأس المال نحو الاستثمار الجريء يرفع الكفاءة، ويضمن حوكمة أفضل عبر معايير قياس أداء واضحة وعوائد قابلة لإعادة التدوير.

النموذج الجديد يمكن أن يُدار بثلاثة أذرع، صندوق يستثمر في مديري صناديق محليين وعالميين، بشرط التواجد الفعلي في الكويت، وذراع للاستثمار المباشر في الشركات التقنية الواعدة، وبرنامج مطابقة يجذب المستثمرين الملائكيين (angel investors) وصناديق القطاع الخاص. هذه المنظومة تتيح خلق بيئة أكثر ديناميكية تدعم الابتكار والتوظيف النوعي، وتربط الشركات المحلية بأسواق أوسع في الخليج.

كما أنها تحوّل دور الحكومة من مقرض «إلى شريك نمو»، مما يرفع من جودة المشاريع المختارة ويضاعف فرص نجاحها.

ولإثبات نجاح هذه الاستراتيجية، هناك سوابق ناجحة في الخليج، فعلى سبيل المثال أطلقت السعودية Saudi Venture Capital وJada Fund of Funds، لدعم المنظومة برأسمال تجاري، في الحين الذي قامت الإمارات بإنشاء Dubai Future District Fund وDisruptAD مع برامج مثل Hub71 لجذب شركات عالمية، كما خصص جهاز الاستثمار العماني أكثر من 61.3 بالمئة من استثماراته نحو استثمارات استراتيجية محلية تحيي الاقتصاد الوطني العماني.

* باحث اقتصادي

back to top