حافة الطوفان
رب لوحة تحكي لك أروع القصص، ورب لوحة تصور لك نبل المعاني في لقطة، ورب لوحة تعني لك الحياة، ورب امرأة تمنح الحياة.
حديثنا اليوم يتمحور حول حكاية هذه اللوحة التي تحمل قيمة فنية وإنسانية عميقة جداً.
فنياً: الألوان المستخدمة بين دفء بشرة الأم والأطفال وبرودة المياه والسماء العاصفة تخلق حالة من التوتر الدرامي بين الحنان والخطر. التكوين يضع الأم في المركز كـ «عمود صلب» يقاوم الطبيعة، في حين تتشبث بها الطفلة بيدها والساق، في حركة مليئة بالحيوية والواقعية، كما أن ضربات الفرشاة وتفاصيل الماء المندفع توحي بالحركة والقوة الجامحة للطبيعة مقابل صلابة الإنسان وإرادته.
إنسانياً: المشهد يختصر معنى الأمومة في أنقى صورها: التضحية، والحماية، والصمود وسط العاصفة.
الأم هنا ليست فقط حاملة لطفلين، بل تحمل عبء البقاء كله، فهي تستند إلى جدار مهدّم وتواجه فيضاناً يهدد حياتها وأطفالها، لكنها واقفة شامخة، نظراتها تحمل القلق ولكن أيضاً العزيمة على حافة الطوفان امرأة تصير جداراً من صبرٍ وصلابة، ذراعها تحضن الحياة، وصدرها يحمي براءة لا تعرف غير دفئه.
في عينيها بريق خوفٍ وجرأة، كأنها تخاطب السماء.
في قراءة أخرى لتفاصيل اللوحة، تبدو الطفلة تتشبّث بثوبها، كما لو أنها تتشبث بالكون كله، كأن الأم هي اليابسة الأخيرة وسط محيطٍ هادرٍ، الأم هنا ليست جسداً، بل روح خالدة، تقاوم الماء والعاصفة، لتقول للعالم: إن الحب وحده يصنع المعجزات، وإن ذراعي الأم أقوى من أي طوفان.
كأنها آخر نخلةٍ في صحراء الغرق، تتحدى العاصفة بذراعٍ تحتضن الحياة، وبقلبٍ يفتح صدره للسماء قبل الماء.
أيتها الأم...
يا معجزة الأرض، كيف يصبح جسدك جسراً بين الطوفان والنجاة؟ وكيف يتحول ثوبك الأزرق إلى شاطئ على حافة الطوفان؟ وكيف تصيرين جداراً من صبرٍ وصلابة؟!
أيها العالم، انظر... ها هنا يتجسد الحب في أسمى صوره، ها هنا قلب امرأةٍ يهزم الطوفان.