الدولة الفلسطينية... اعترافات عكسية
اعترافات الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية ظاهرها إيجابي، ولكن ربما تكون غاياتها الحقيقية عكسية، وهو ما يحتاج إلى متابعة وحسن نظر وتدبير.
فهو اعتراف يهدف، ضمن معطياته، إلى تثبيت الكيان الصهيوني اللقيط والمحتل في أرض فلسطين.
وكذلك يهدف لإبعاد اليهود والصهاينة تحديداً من أوروبا، فهم إذ طُردوا منها في الأعوام 1927 ــ 1938 كان للتخلص منهم في أوروبا بسبب خبثهم ودسائسهم وخستهم ومؤامراتهم ضد الدول الأوروبية التي كانوا فيها، فكانت فكرة منحهم وطناً قومياً في فلسطين غايتها التخلص من وجودهم في أوروبا، ونفيهم خارجها، فكان نفياً مغلفاً وملفوفاً بفكرة الوطن القومي لليهود، وهو سر دعمهم ومساندتهم أوروبياً حتى يجدوا في تلك الحماية والرعاية سبباً في استقرارهم في الوطن البديل الذي اغتصبوه فلسطين.
ومخطط اليوم - تحت بند الاعتراف بدولة فلسطين - غايته تثبيتهم على نحو رسمي بالاعتراف بما يسمى حل الدولتين، حتى يتم نزع اعترافات صريحة من الدول العربية والإسلامية أو ضمنية بأحقية اليهود الصهاينة في أرض فلسطين بشكل رسمي وكامل، وقد انطلى هذا المخطط الخبيث، وحقق مقاصده. وغدت الدول الإسلامية والعربية في كل قممها وبياناتها وسياساتها تتمسك بإقامة الدول الفلسطينية على حدود ما قبل 1967، ويصاحب ذلك القبول بحل الدولتين الذي يمنح اليهود الصهاينة صكاً دولياً وعربياً وإسلامياً بحقهم على أرض فلسطين، رغم أنهم لقطاء ومحتلون لفلسطين.
ولذلك فإن المتابع لبيانات الاعتراف وتفصيلاته يلمس في ظاهره العدالة (الرحمة)، وفي باطنه (الظلم) العذاب.
فهناك ترديد متتابع لجملة من الشروط والقيود التي من شأنها أن تؤمن وضع الكيان الصهيوني ولا تحقق ذلك للدولة الفلسطينية ولا للأمتين العربية والإسلامية، فربط الاعتراف بدولة فلسطين بالأحداث المستجدة الجارية فيه اختزال لحقيقة سلب دولة ووطن كان موجوداً قبل 77 سنة وسابقاً في وجوده على الكيان المحتل، وفي الحديث عن حل الدولتين تقرير يخالف الواقع بتعزيز أن لليهود حقاً في فلسطين ككيان سياسي وهو ليس كذلك.
وعلى صعيد آخر فإن الحديث عن دولة منزوعة السلاح ومقيدة الإرادة ينم عن مكافأة للمحتل وتسطيح لحق الشعب تحت الاحتلال، وفيه سكوت عن الجلاد وملاحقة للضحية، ألا وهي الشعب الفلسطيني ودولته المستقلة، وفي الحديث عن الضمانات التي تمنح للكيان المحتل وتجريد الدولة الفلسطينية ما يكشف هشاشة الحل، وأخيراً فإنه على صعيد الواقع العملي فإن في عدم إنهاء نظام الفصل العنصري الصهيوني المفروض على الضفة الغربية ووقف الحرب على غزة وعدم إجبار الكيان الصهيوني من الانسحاب منهما بشكل كامل بما في ذلك القدس، وإزالة المستوطنات التي أقيمت بها، ما يكشف هشاشة هذا الاعتراف وذهاب قيمته الحقيقية أدراج الرياح، ما لم يتم عكس ذلك، وهو ما نعوّل بشأنه على الشعوب في الدول التي قررت الاعتراف، الذي جاء نتاج حراك شعبي ضخم وضاغط.
وإلا فسنكون أمام اعتراف عكسي غاياته تثبيت الكيان الصهيوني المحتل.