كلام مأخوذة زبدته

نشر في 24-09-2025
آخر تحديث 23-09-2025 | 19:37
 حسن العيسى

بغمضة عين، ستصبح الكويت وجهة سياحية عالمية تنافس النمسا ودبي وسويسرا، لا تستغرب... هذه ليست نكتة افتتاحية، بل تصريح رسمي مفعم بالإرادة والريادة من معالي وزير الإعلام، السيد عبدالرحمن المطيري، الذي أعلن إطلاق حملتَي «الريادة بالإرادة» و«فيزت الكويت»... وحين تسمع هذا، لا تلُمْ نفسك إذا ظننت أنك عُدت فجأة إلى كراسة التعبير في الصف التاسع: «أشرق الصباح بنوره الوضاح».

الوزير أعلن عن قناة إخبارية جديدة ستنقل صوت المواطن. وهنا يبدأ المشهد الساخر: أي صوت؟ وأي مواطن؟ هل سيُسمح له أن يتكلم أصلاً؟ أم ستنقل القناة بصوت جهوري أخباراً من نوع: «استقبل معاليه وودّع سعادته وتفقّد المشروع والمنطقة وابتسم أمام الكاميرا»...؟

ولماذا هذه القناة أصلاً؟... لدينا فائض إنتاج من صحفنا الوطنية التي لا تقصّر في التغطية الملونة المبتسمة، والتي تبدأ من المانشيت بـ «تفقّد» وتنتهي بـ «شكر القائمين»، فلماذا نحتاج إلى تكرار الصورة على شاشة أخرى؟ هل لأنّ المواطن تعب من القراءة ويحتاج أن يرى معاليهم يتحركون أمامه؟

نأتي للعنوان الغامض «فيزت الكويت»، والذي يبدو كأنه جاء من اجتماع عصف ذهني في أحد مقاهي المجمعات، أكثر مما هو حملة وطنية. ما معنى «فيزت الكويت»؟ هل سنصبح فجأة «الوجهة الأولى في الشرق الأوسط»؟ وماذا عن البنية التحتية؟ والترفيه؟ والاستثمار؟ هل سيأتي السياح للاستمتاع بطقسنا الجميل، أم لينتصبوا واقفين بصفوف الانتظار الطويلة وتعقيدات تصاريح الدخول والخروج؟

الوزير تحدّث عن «تجربة سياحية متكاملة» و«شراكة مع القطاع الخاص»، ولكن عن أي قطاع خاص نتحدث؟ عن ذاك المستثمر المحلي الذي زهد، وملّ، وسئم، ثم حزم حقائبه وغادر دون أن يلتفت؟ أم عن المستثمر الدولي الذي يسمع كلمة «إجراءات» في الكويت فيختار فوراً بلداً قريباً آخر؟

السياحة ليست شعاراً على لوحة مضيئة، بل بنية متكاملة من خدمات، وتشريعات، ومناخ استثماري. أما الإرادة، فهي لا تُحشَر في شعار حملات ولا تُعرَض في إعلانات ملونة. الإرادة تظهر عندما يثق المواطن بمؤسساته، وعندما يجد المستثمر مناخاً شفافاً، لا دوامة من الإجراءات والتصاريح والوعود الأبدية.

لا نحتاج إلى قنوات جديدة بقدر ما نحتاج إلى محتوى حقيقي، ولا نحتاج إلى حملات تسويق بقدر ما نحتاج ما يُسوَّق أصلاً. فالريادة لا تأتي بالنيّة الطيبة، بل بخطط مدروسة، وشراكة فعلية، وسماع صوت المواطن لا صدى المسؤول.

back to top