«مغافلة وسرقة وصَهر»... نهاية مؤسفة لسِوار المتحف المصري
• الجانية اختصاصية ترميم باعت قطعة نادرة عمرها 3300 سنة بـ 3600 دولار
هزّت واقعة سرقة أسورة ذهبية نادرة على هيئة «خلخال» تعود إلى أحد ملوك الأسرة الفرعونية الحادية والعشرين، أركان المؤسسات الثقافية في مصر، وألقت بظلال من القلق على منظومة حماية التراث في بلد الأهرامات، عندما انتهت رحلة القطعة الأثرية التي تزن نحو 37 غراماً وتجاوز عمرها 3300 عام إلى بوتقة الصهر، في لحظات امتزجت بين من الإهمال والإجرام.
قبل أيام، أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، في بيان رسمي، اختفاء الأسورة الذهبية النادرة من داخل خزينة معمل الترميم بالمتحف المصري بالتحرير، مما دفعها إلى إحالة الواقعة إلى النيابة العامة والجهات الأمنية المختصة، وتشكيل لجنة متخصصة لحصر ومراجعة جميع مقتنيات المعمل، كما تم تعميم صورة القطعة الأثرية على جميع المنافذ والمطارات والموانئ البرية والبحرية على مستوى البلاد لمنع تهريبها.
وكشفت تحقيقات وزارة الداخلية، التي بدأت فور ورود البلاغ الرسمي في 13 الجاري، أن الجريمة تمت في 9 منه، حيث تمكنت اختصاصية ترميم تعمل بالمتحف من سرقة الأسورة بأسلوب «المغافلة» أثناء مباشرتها لعملها. ولم تتردد الجانية في التواصل مع تاجر فضيات بمنطقة السيدة زينب الشعبية، الذي بدأ سلسلة الاتجار بالقطعة المسروقة، فباعها لصاحب ورشة ذهب بمنطقة الصاغة مقابل 180 ألف جنيه (حوالي 3600 دولار)، ليتخلص منها صاحب الورشة بدوره إلى عامل في مسبك ذهب بمبلغ 194 ألف جنيه (حوالي 3900 دولار)، حيث قام الأخير بصهر الأسورة الأثرية ضمن مصوغات أخرى، محوِّلا إياها إلى سبائك ذهب عادية وطامسا هويتها التاريخية إلى الأبد!
ضبط الجناة
وبعد تقنين الإجراءات، تمكّنت الأجهزة الأمنية في غضون 72 ساعة من ضبط جميع المتورطين، الذين اعترفوا بارتكاب الواقعة، كما تم ضبط المبالغ المالية حصيلة البيع بحوزتهم، قبل إحالتهم إلى النيابة العامة لاستكمال التحقيقات.
من جانبه، علّق كبير الأثريين الأسبق، مجدي شاكر، على الواقعة، واصفا إياها بأنها «جريمة معقّدة»، مشيرا إلى أن التأمينات بالمتحف «لم تكن بالشكل القوي». وأكد أن قيمة الأسورة التاريخية والأثرية لا تُقدّر بثمن، ولا يمكن قياسها بسعر غرامات الذهب التي تتكون منها، خاصة أنها تعود لعصر الملك أمنمؤوبي، من الأسرة الـ 21.
ولم تقتصر تداعيات الواقعة على الجانب الأمني فقط، بل امتدت إلى البرلمان، حيث تقدمت النائبة مها عبدالناصر بسؤال عاجل إلى رئيس الوزراء ووزير السياحة والآثار، معربةً عن قلقها البالغ من اختفاء قطعة أثرية من معمل الترميم، الذي يفترض أن يكون «الأكثر تحصينًا وحفظًا». وأشارت إلى أن التوقيت يأتي في ظل استعداد مصر لافتتاح المتحف المصري الكبير (مطلع نوفمبر المقبل)، مما يضع آليات التأمين تحت مجهر التساؤل، داعية إلى إعادة تقييم فاعلية أنظمة المراقبة والحصر الإلكتروني، والمراجعات الدورية المستقلة.
من ناحية أخرى، كانت وسائل الإعلام تداولت صورًا لأسورة أثرية قيل إنها القطعة المسروقة، قبل أن يتضح أنها قطعة مختلفة، فيما وصف مدير المتحف المصري، علي عبدالحليم، الأسورة المسروقة بأنها مصنوعة من الذهب الخالص، ومُطعّمة بخرز كروي من اللازورد الأزرق، مما يجعلها قطعة فريدة.
جرس إنذار
هذه الحادثة، رغم سرعة حل لغزها، تدقّ جرس إنذار صاخب حول ثغرات قديمة في نظام حماية تراث هوية أمة، تطرح أسئلة جوهرية عن الإجراءات التنظيمية، وكفاءة العنصر البشري، ومدى مواكبة الأنظمة التقنية للمعايير الدولية، خاصة مع اقتراب افتتاح واحد من أكبر المتاحف العالمية، وهو ما أكده الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، محمد عبدالمقصود، في تصريحات له شددد فيها على ضورة اعتماد أنظمة تأمين مراقبة عالية، واصفًا الواقعة بأنها «كارثة حقيقية»، ولافتًا إلى أن خروج هذه القطعة للمشاركة في أي معرض عالمي يُدفع عنها تأمين قدره 4 ملايين جنيه (نحو 82 ألف دولار).