السلطة تحدُّ من السلطة أو تبتلعها

نشر في 22-09-2025
آخر تحديث 21-09-2025 | 19:41
 حسن العيسى

من بديهيات الحياة الإنسانية أن يختلف الناس في آرائهم ومعتقداتهم. من حق كل فرد أن يعبّر بحرية، وأن ينتقد الرأي الآخر مهما كانت مكانته أو مصدره. الرأي لا يواجه بالقمع ولا بالتهديد ولا بالتشريعات العقابية، بل بالرأي المقابل والحوار المسؤول.

افتتاحية «نيويورك تايمز» الأخيرة بعنوان «إدارة ترامب تسعى بجهود حثيثة لمعاقبة حرية التعبير» تلقي الضوء على هذا المبدأ. الصحيفة رأت أن الإدارة الأميركية استغلت حادث اغتيال الناشط شارلي كيرك ذريعةً لتبرير حملتها ضد اليسار وضد الأصوات المخالفة. فبينما صوّر البيت الأبيض الجريمة كنتاج للعنف اليساري، تظهر الأرقام أن 54% من جرائم العنف السياسي خلال الفترة ما بين 2014 و2025 ارتكبها اليمين، مقابل 8% فقط لليسار.

تاريخياً، لم تكن هذه هي السابقة الأولى، فالإدارة ذاتها فرضت عقوبات على بعض الجامعات الأميركية إثر احتجاجات طلابية ضد جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة، مستخدمة تهمة «معاداة السامية» الجاهزة في مصانع اللوبي الصهيوني لإسكات الطلبة، ولا سيما من أصول عربية أو إسلامية، وصولاً إلى سحب إقاماتهم أحياناً.

لكن الولايات المتحدة، مهما بلغت حدة الانقسام فيها، تمتلك سنداً دستورياً راسخاً: التعديل الأول الذي يحمي حرية التعبير. القضاء المستقل هناك كان ولا يزال صمام الأمان، يقيّد تغوّل السلطة التنفيذية ويرسم حدودها. ومع أن المحكمة العليا اليوم يغلب عليها الطابع المحافظ، فإن مبدأ الفصل بين السلطات ظل منذ عصر التنوير ركناً أساسياً للحياة السياسية الغربية.

أما في عالمنا العربي، فالوضع مختلف جذرياً. هنا لا تحدّ السلطة من السلطة، بل تلتهمها جميعاً: التشريعية والقضائية والإعلامية. تغيب فكرة التوازن، ويحضر منطق الهيمنة المطلقة. وهكذا يغدو المبدأ الذي أُسست عليه الدولة الحديثة - أن السلطة لا تستقيم إلا بسلطة تقيّدها- غريباً عن واقعنا، مع أننا الأشد حاجة إليه.

back to top