التوازن بين الاستثمار الأجنبي والمحلي

نشر في 21-09-2025
آخر تحديث 20-09-2025 | 19:38
 د. عبدالعزيز إبراهيم التركي

يُعد منح هيئة أسواق المال ترخيص «مستشار استثمار» لفرع شركة بلاك روك العالمية خطوة مهمة، وذات دلالة استراتيجية، كونها أكبر مدير للأصول في العالم.

يُعتبر دخولها اعترافاً قوياً بالبيئة الاستثمارية والتشريعية في الكويت، مما يتماشى مع رؤية البلاد في أن تُصبح مركزاً مالياً وتجارياً رائداً.

ومع ذلك، يتطلَّب هذا الإنجاز تحليلاً اقتصادياً نقدياً لتقييم آثاره المُحتملة، وموازنة الفُرص الاقتصادية المُتاحة مع التحديات المتوقعة.

فإذا نظرنا إلى دوافع النمو والفُرص المتعددة، التي تتمثل في: أولاً: تعزيز الثقة الدولية، وجذب الاستثمار: وجود شركة بحجم «بلاك روك» يبعث برسالة إيجابية تُظهر جاذبية السوق الكويتي للمستثمرين العالميين، مما يُشجع المزيد من المؤسسات المالية الأجنبية على دخول السوق، ويزيد من تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، وهو محرِّك أساسي للتنمية الاقتصادية.

ثانياً: تطوير سوق رأس المال: ستُسهم «بلاك روك» في تعزيز عُمق وكفاءة السوق المالي الكويتي، من خلال تقديم أدوات استثمارية جديدة ومتنوعة، مما يوفر خيارات جديدة للمستثمرين المحليين، ويزيد من سيولة السوق.

كما أن خبرتها في استخدام التقنيات المتقدمة في التحليل وإدارة الأصول ستُثري القطاع المالي والاستثماري.

ثالثاً: نقل الخبرات والمعرفة: يُعد وجود فرع لشركة عالمية بهذا الحجم فرصة لا تُعوَّض لنقل الخبرات والمعرفة الفنية إلى الكفاءات المحلية.

هذا التمازج المعرفي ضروري لتطوير صناعة إدارة الأصول المحلية، وتعزيز قُدرتها التنافسية على المستويين الإقليمي والدولي.

رابعاً: دعم التنويع الاقتصادي: تُسهم بشكلٍ مباشر في تحقيق أهداف التنويع الاقتصادي، من خلال توجيه استثماراتها نحو القطاعات غير النفطية الواعدة، مثل التكنولوجيا والخدمات اللوجستية، مما يُقلل من الاعتماد على النفط كمصدرٍ وحيد للدخل والطاقة.

أما التحديات المُحتملة، فتتمثل في الآتي: 1- حجم المساهمة الفعلي: التأكد من حجم الأثر المباشر لدخول «بلاك روك»، كون الترخيص الممنوح هو لمزاولة نشاط «مستشار استثمار»، وليس لإدارة الأصول بشكلٍ مباشر.

لذلك سيتم اعتماد الأثر الاقتصادي الحقيقي على حجم الأموال التي ستُقرر الشركة توجيهها أو إدارتها في السوق الكويتي لاحقاً.

2- المنافسة مع الشركات المحلية: قد يُشكِّل دخول لاعب عالمي ضخم، مثل «بلاك روك»، منافسة شديدة للشركات المحلية العاملة في قطاع الاستشارات المالية والاستثمارية، فقدراتها التكنولوجية الهائلة وعلامتها التجارية الراسخة قد تضغطان على الشركات المحلية للتطوير السريع، أو قد تؤديان إلى تراجع دورها في سوق المال.

3- التأثير على السياسات المالية: قد يؤدي وجود شركات إدارة أصول عالمية كبرى إلى تأثير غير مباشر على قرارات السياسة المالية والنقدية المحلية، خصوصاً إذا أصبحت هذه الشركات مؤثرة بشكلٍ كبير في أسواق المال. 4

- التركيز على المشاريع الكبرى: من المُحتمل أن تُركز «بلاك روك» استثماراتها على المشاريع الكبيرة ذات العوائد المرتفعة، مما قد يؤثر سلباً في القطاعات المتوسطة والصغيرة، التي تُعد محركاً أساسياً للنمو الاقتصادي المستدام.

رغم أن انضمام «بلاك روك» إلى السوق الكويتي يُعد خطوة إيجابية نحو تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية، فإنها تتطلَّب استراتيجيات واضحة للاستفادة من الخبرات التي ستُجلبها، لضمان حماية الشركات المحلية، وتوجيه الاستثمارات نحو القطاعات ذات القيمة المُضافة للاقتصاد الوطني، حتى نتمكَّن من تحقيق التوازن بين الاستثمار الأجنبي والمحلي.

back to top