انقلاب التعليم إلى أين؟
في خطوةٍ وُصِفت بتطوير المناهج التعليمية قامت وزارة التربية في إمبراطورية التعليمات بإلغاء كل ما يتعلق بتاريخ الحياة البرلمانية من مادة الاجتماعيات. هكذا، وبجرة قلم، تحققت «القفزة الثقافية العظمى» التي وعدت بها الوزارة في طريق التحديث والتجديد.
لكن السؤال يبقى: هل يكون التقدم للمستقبل عبر محو وقائع تاريخية كبيرة من الذاكرة؟
البرلمان وتاريخه جزء لا يتجزأ من واقع الدولة السياسي، سواء اتفقنا أو اختلفنا حول إنجازاته وإخفاقاته. مسْحُه من المناهج لا يغيّر من كونه واقعاً تاريخياً قد حدث بالفعل، بل يحوّل الأجيال القادمة إلى غرباء عن مسار دولتهم وتطور مؤسساتها.
في الفيلم الكوميدي «رجال بالزي الأسود»، يكفي كبسة زر على جهاز صغير ليُمحى الحدث من ذاكرة البشر. ويبدو أن مطوري المناهج في الوزارة استعاروا هذه الخرافة، فقرروا النأي بذاكرة الطلبة عن ذكر تاريخ حي للدولة ومسح حقبة كاملة منه. لكن الفرق أن أبطال الفيلم كانوا يمحون أحداثاً خيالية، أما الوزارة فتمحو حقائق تاريخية!
ويبقى جوهر السؤال: هل تريد الوزارة جيلاً قادراً على التفكير العلمي والنقدي الحر، ويتعلم من دروس التاريخ؟ أم أنها تفضّل أسراباً من الببغاوات تردد ما يُملى عليها وتنفِّذ ما يُفرَض دون وعي أو إدراك؟
«لا تسألني من أكون ولا تسألني كي أبقى على حالي، لندع الأمور للبيروقراطيين والبوليس كي يراقبوا ما إذا كانت أوراقنا منتظمة أم لا»ـ ميشيل فوكو.
بهذا الاقتباس يذكّرنا فوكو بأن السلطة ليست في إصدار القوانين فقط، بل أيضاً في التحكم بالمعرفة والذاكرة. وحين تقرر وزارة التعليم إعادة كتابة المناهج بهذه الطريقة، فهي لا تطوّر التعليم بقدر ما تضيّق أفقه وتدفعه إلى الحماقة.