بريطانيا تفتح أبوابها لترامب باستقبال تاريخي واتفاقات بالمليارات

• لندن حوّلت الزيارة إلى رسالة توضح عمق التحالف وعنوان لمتانة العلاقة عبر «الأطلسي»

نشر في 17-09-2025 | 14:50
آخر تحديث 17-09-2025 | 19:20
استقبال الملك تشارلز لترامب في قلعة وندسور أمس (رويترز)
استقبال الملك تشارلز لترامب في قلعة وندسور أمس (رويترز)

رغم الخلافات الكبرى بشأن أوكرانيا والشرق الأوسط ومستقبل التحالف الغربي، خصّت بريطانيا، اليوم، الرئيس الأميركي دونالد ترامب باستقبال ملكي غير مسبوق، تزامناً مع إعلانها عن استثمارات مليارية ضخمة في المجالات النووية والتكنولوجيا وغيرها، عزّزت الطابع السياسي والاقتصادي لثاني زيارة للملياردير الجمهوري للمملكة.

ووصل ترامب وزوجته ميلانيا إلى قصر وندسور، وسط مراسم بروتوكولية دقيقة تعكس تقاليد ضاربة في التاريخ البريطاني، وكان في استقبالهما ولي العهد الأمير وليام وزوجته كاثرين ميدلتون، قبل أن ينضم إليهما الملك تشارلز الثالث والملكة كاميلا، في مشهد أرادته لندن عنواناً لمتانة العلاقة عبر «الأطلسي».

الموكب المهيب الذي شمل عربات تجرها الخيول، واستعراضاً عسكرياً بمشاركة 1300 جندي و120 حصاناً، منح ترامب استقبالاً لم يسبق أن قُدّم لأي زعيم آخر. وزاد من رمزية اللحظة العرض الجوي المشترك بين مقاتلات أميركية وبريطانية، في رسالة واضحة على عمق التعاون الدفاعي بين البلدين.

وتخللت المراسم زيارة للكنيسة الملكية لوضع إكليل زهور على قبر الملكة إليزابيث الثانية، قبل أن يشارك ترامب في مأدبة عشاء رسمية بالقلعة، ألقى خلالها الملك تشارلز والرئيس الأميركي كلمات احتفت بروابط الصداقة والتحالف.

اليوم الثاني

ومن المقرر أن يشمل اليوم الثاني للزيارة اجتماعاً موسعاً بين ترامب ورئيس الوزراء كير ستارمر، في مقر «تشيكرز» الريفي، ويتوقع أن تهيمن على النقاشات قضايا التجارة، الأمن، ومستقبل التعاون التكنولوجي، كما سيُعقد لقاء لرجال الأعمال من البلدين للإعلان عن مبادرات جديدة، وسط ترقّب لمزيد من الاستثمارات المشتركة.

رغبة بريطانية بإعادة ضبط البوصلة الاقتصادية والسياسية بعد فترة من الاضطراب الداخلي

ورغم التباينات حول ملفات دولية حساسة، ترى لندن في هذه الزيارة فرصة لإعادة ضبط البوصلة الاقتصادية والسياسية بعد فترة من الاضطراب الداخلي، فيما يسعى ترامب لتوظيفها لإظهار نفسه كقائد عالمي يحظى بالترحيب الملكي والتحالفات المليارية.

ورغم الاستقبال الفاخر، لم تغِب عن المشهد الاحتجاجات الشعبية، فقد دعا تحالف «أوقفوا ترامب» آلاف المتظاهرين للتجمع في وسط لندن، وسط انتشار أمني مكثف تجاوز 1600 شرطي. وفي وندسور، رفع معارضون لافتات تصف ترامب بـ «الطاغية»، في مقابل مؤيدين رأوا في زيارته فرصة لتعزيز العلاقات.

لكن الحكومة البريطانية اختارت أن تُبقي مراسم الزيارة خلف الأبواب المغلقة، لتجنّب مشاهد الاحتجاجات التي رافقت زيارة ترامب الأولى عام 2019.

السياسة والبروتوكول

الزيارة التي تستمر يومين لم تقتصر على الجانب البروتوكولي، فقد حرصت الحكومة البريطانية على أن تقرن مظاهر البذخ الملكي باتفاقيات اقتصادية كبرى، تضمن خروج الزيارة بنتائج ملموسة.

ورغم أن ترامب يواجه تحديات داخلية جمّة، فإن لندن وفّرت له مساحة للهروب من أجواء هذا التوتر، وإبراز صورته كزعيم دولي يحظى بالاحترام.

وفي تصريح مقتضب، وصف ترامب الاستقبال بأنه «شرف عظيم»، مشيراً إلى جذوره الاسكتلندية واعتزازه بعلاقته بالعائلة الملكية. ولم يُخفِ إعجابه بطقوسها، بل شبّه نفسه مراراً بالملوك، في تلميح يعكس شخصيته المثيرة للجدل.

وبالتوازي مع المراسم، أعلنت شركة مايكروسوفت الأميركية عن استثمار ضخم بقيمة 30 مليار دولار في بريطانيا على مدى 4 سنوات، يهدف إلى تطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية. ويُعد هذا الالتزام المالي الأكبر للشركة في المملكة المتحدة، ويشمل إنشاء مراكز بيانات متطورة وتوسيع القدرات التقنية، بما يضمن آلاف الوظائف عالية المهارة.

ورحّب ستارمر بالاستثمار واعتبره «تصويتاً قوياً بالثقة في مكانة بريطانيا الريادية في التكنولوجيا»، مؤكداً أن بلاده ستظل في طليعة الابتكار العالمي.

ولم تقتصر الاستثمارات على «مايكروسوفت» وحدها، إذ أعلنت لندن وواشنطن توقيع «اتفاقية الازدهار التكنولوجي»، التي وصفتها الحكومة البريطانية بأنها «تاريخية». وتشمل الاتفاقية استثمارات مباشرة بقيمة 42 مليار دولار من عمالقة التكنولوجيا، مثل غوغل، إنفيديا، أوبن إيه آي، وكورويف.

هذه الاتفاقية تفتح الباب أمام تعاون غير مسبوق في مجالات الذكاء الاصطناعي، الحوسبة الكمومية، الطاقة النووية، والفضاء. وبحسب البيانات الرسمية، فإن الشراكة ستركز على الأبحاث الطبية الدقيقة، تطوير رقائق متقدمة، وإطلاق مبادرات لتسخير الطاقة الاندماجية.

وأوضح وزير العلوم والابتكار البريطاني أن الجزء الأكبر من الاستثمارات سيُوجَّه إلى شمال شرق إنكلترا، مع إنشاء «منطقة نمو للذكاء الاصطناعي» توفر 5000 وظيفة جديدة، وتجعل بريطانيا مركزاً أوروبياً رائداً للتقنيات المتقدمة.

وفي المقابل، أعلنت شركة الأدوية البريطانية العملاقة «غلاكسو سميث كلاين» عن التزام باستثمار 30 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال 5 سنوات. وستُخصّص الأموال للبحث والتطوير وتعزيز الطاقة الإنتاجية، في خطوة تُرضي إدارة ترامب التي تضغط منذ سنوات على الشركات العالمية لضخّ استثمارات داخل السوق الأميركية.

back to top