نظرة الجدّة إلى قوس الحياة
لطالما حدّثني الأصدقاء عن روعة أن تصبح جدّاً أو جدّة، وعن اختلاف التجربة جذرياً عن الأبوة والأمومة. كانوا يقولون: «تلعب معهم ثم تعيدهم إلى أهلهم»، وكأن الأمر كله متعة من دون عناء. والآن وقد صرتُ جدة، أرى أن في ذلك شيئاً من الحقيقة، لكن الصورة أعمق بكثير.
لا شك أن المسؤوليات أقل مما هي عليه عند الأبوين، لكن رعاية حفيدة في الثانية من العمر ليست «نزهة في الحديقة» لجدة في السبعين، حتى لو جرت فعلاً في الحديقة. الفارق الحقيقي يكمن في المنظور، فالأبوان غارقان في تفاصيل الحياة اليومية وضغط المجموعات المحيطة، أما أنا فأقف على مسافة تسمح لي أن أرى أن رفض الحفيدة أكل الجبن أو تأخرها في التدريب على الحمام لا يعني شيئاً في المدى البعيد.
غير أن الأمر يتجاوز المسافة الزمنية، إنه ثمرة الحكمة التي تأتي مع العمر، فالتكنولوجيا المعاصرة ترفع من شأن المعرفة، وتُهمل الحكمة المعرفة يمكن نقلها وتعلّمها، بينما الحكمة علاقة بين الإنسان والعالم تُكتسب مع التجربة. حين أنظر إلى حفيدتي اليوم، أفعل ذلك وقد مررتُ بخسارة الأحبّة وبانحدار قدراتي الجسدية. هذا يتيح لي أن أرى في صعودها الجديد انعكاساً لمسار حياتي نفسه، أن أدرك قوس الحياة بأكمله، من الانطلاق إلى الانطفاء.
هنا يحضر شكسبير، الذي التقط بعبقريته ما أحاول وصفه. ففي مسرحيته «كما تشاء»، صاغ خطاب «مراحل الإنسان السبع»، حيث رسم دورة الحياة منذ الطفولة الباكية، مروراً بالمراهق المتثاقل إلى المدرسة، والعاشق المتنهد، والجندي المتهور، والقاضي ذي البطن الممتلئ، وصولاً إلى الشيخوخة التي تعيد الإنسان إلى «طفولة ثانية» بلا أسنان ولا بصر. هذه رؤية غير عاطفية، كتبها شكسبير في منتصف الثلاثينيات، منشغلاً بعمله وأعباء عائلته، ولذلك غلب عليها الطابع الكاريكاتوري الظريف لا التأمل المدهش.
لكن في أعماله المتأخرة، حين اقترب من التقاعد، كتب شكسبير بروح الجدّ. ففي «حكاية الشتاء» (الفصل الثالث، المشهد الثالث)، يصوّر شيخاً وابنه يشهدان مشهدين متناقضين: غرق ركاب سفينة في البحر، وفي اللحظة نفسها يعثر الشيخ على طفل رضيع تُرك وحيداً، فيتأمل قائلاً: «أنت لقيتَ أشياء تموت، وأنا لقيتُ أشياء تولد».
هذه الجملة البسيطة المقتضبة تفيض شعراً ودهشة، بخلاف الخطاب السابق الممتلئ بالذكاء الجدلي. هنا يضع شكسبير على لسان شيخ مسنّ رؤية شاملة لقوس الحياة: الميلاد والموت في آن واحد، الفقد والبدء الجديد، وكأنها شهادة أن المسنّ وحده، بوعيه بقرب النهاية، يستطيع أن يرى الامتداد الكامل للتجربة الإنسانية، ويقدّر معجزة البدء المتجدد.
هذا بالضبط ما يجعل الجدّ أو الجدّة ينظران إلى الأحفاد بعمق مختلف: ليس فقط بالحب أو الحنان، بل بالدهشة الممزوجة بالحكمة، حيث يلتقي الحاضر بالذاكرة، والمستقبل بالماضي.
أن تصبح جداً يعني أن ترى الحياة كلها دفعة واحدة: الماضي الذي عشته، والحاضر الذي يعيشه ابنك أو ابنتك، والمستقبل الذي يتجسد في حفيد صغير. إنه إدراك مؤلم أحياناً، لكنه في النهاية متعة لا يضاهيها شيء.
* بولا مارانتز كوهين عميدة فخرية لكلية الشرف في جامعة دريكسل، ومؤلفة كتاب «العلاج بالكلام... مقالة في القوة التمدينية للمحادثة».