رسالة الدوحة... كرامة الأمة لا تُقصف *

نشر في 17-09-2025
آخر تحديث 16-09-2025 | 18:43
 بدور المطيري

في الدوحة لم يكن صوت الكلمات أقل وقعاً من دوي الصواريخ، فخلف قاعات القمة العربية - الإسلامية الطارئة، كانت العيون تحمل غضباً وألماً، فالجريمة الرعناء التي ارتكبها المحتل الصهيوني لم تسقط شهداء فحسب، بل أصابت فكرة السيادة وحق الدول في أن تكون وسيطاً للسلام، ففي لحظة امتزج فيها الحزن بالعزم، اجتمع القادة العرب والمسلمون ليعلنوا أن الدوحة ليست وحدها، في مشهد مهيب لتوافد قادة الدول وحرصهم على حضور هذه القمة الطارئة، ليثبتوا أن الاعتداء على عاصمة عربية هو اعتداء على الأمة كلها، وأن الرد لابد أن يكون جماعياً ويتجاوز حدود الكلمات.

فكلمات القادة التي تم إلقاؤها أعلنت الوحدة والتضامن، إذ أكد ممثل صاحب السمو أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد، سمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد «أن أمن قطر ركيزة أساسية من ركائز أمن الأمة العربية والإسلامية»، ليؤكد التضامن التام معها، فيما جاء خطاب سمو أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حازماً ومطالباً بتحرك جاد، إذ قال: «لا بد أن نتخذ خطوات ملموسة لمواجهة حالة جنون القوة والغطرسة وهوس التعطش للدماء التي أصيبت بها حكومة إسرائيل»، أما الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي فقد شدد على أن «ما حدث يمثل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة»، محذراً من أن استمرار الاحتلال في سياساته العدائية يهدد السلام ويقوض الاستقرار في المنطقة كلها.

ما بين هذه الكلمات، بدا واضحاً أن القمة لم تكن مجرد اجتماع طارئ، بل لحظة استدعاء لذاكرة التاريخ، ففي عام 1967 حين غاب التنسيق تكبّد العرب خسائر فادحة بفقدان القدس والجولان وسيناء، أما في أكتوبر 1973 فقد أثبت التوحد العربي عسكرياً واقتصادياً أنه قادر على قلب المعادلة، واليوم تبدو قمة الدوحة وكأنها تضع الأمة أمام المفترق ذاته، إما أن نبقى في مربع 1967 أو نستلهم روح 1973 ونحوّل الغضب إلى فعل ضاغط سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً يعيد التوازن.

الحقيقة أن ما يزيد من لهيب الحدث هو تصريح بنيامين نتنياهوعن «ارتباطه العاطفي برؤية إسرائيل الكبرى»، وهو خطاب استفزازي إلى أقصى حد ويعيد إلى الأذهان عقلية التوسع بلا حدود.

فلا معنى منطقياً لأن يُطلق هذا التصريح بالتزامن مع قصف الدوحة إذ إنه يعني شيئاً واحداً: أن الاحتلال لم يعد يستهدف فلسطين وحدها، بل يضع السيادة العربية كلها في مرمى النيران، ولهذا جاءت لهجة القادة في القمة أكثر حزماً، مشددة على أن أي اعتداء على عاصمة عربية سيُعامل باعتباره عدواناً على الأمة.

إن قمة الدوحة، بهذا المعنى، ليست حدثاً بروتوكولياً، بل امتحان تاريخي لإرادة العرب والمسلمين، فهي تقف بين خيارين، أن تُذكر كفرصة ضائعة أخرى في سجل القمم، أو أن تُسجل باعتبارها اللحظة، التي قررت فيها الأمة أن تقول كلمتها بجدية، وتضع حداً لمشروع الاحتلال، الذي لا يعرف سلاماً ولا يعترف بسيادة. إنها لحظة فاصلة بين ذاكرة الانكسار في 1967 وروح النهوض في 1973، والقرار اليوم بيد القادة.

لكن الواضح أن قمة الدوحة سيسجلها التاريخ بالرسالة العميقة التي حملتها، بأن لامساس بأي دولة خليجية وعربية، ولا مكان للإفلات السياسي من العقاب.

* ينشر بالتزامن مع صحيفة الشرق القطرية

back to top