بيرقدار: الشبحية التركية «كيزليما» دخلت مرحلة الإنتاج
خلال لقائه الصحافيين على هامش مهرجان «تكنوفيست» في إسطنبول
أكد سلجوق بيرقدار، المدير الفني لشركة «بايكار» التركية المصنعة لمسيّرات «بيرقدار»، أن تركيا حققت تقدماً ملحوظاً في مجال تطوير المحركات والطائرات المسيّرة، من TB2 وTB3 إلى أكينجي وكيزيل إلما، فضلاً عن نجاحات بحرية وتسليحية متقدمة جعلت بلاده من الدول الرائدة عالميا في هذا المجال.
وقال بيرقدار، خلال تصريحات على هامش مهرجان «تكنوفيست»، الذي تضمن عرضاً عسكرياً ومسابقة تكنولوجية، وبحضور وفد إعلامي كويتي زار إسطنبول للاطلاع على أحدث ما توصلت إليه صناعات الدفاع التركية، إن الجدل حول اعتماد الطائرات التركية على محركات أجنبية لم يكن في محله دائما، إذ تُنتَج بعض المحركات ولاسيما الصغيرة محليا بالفعل، بينما تعمل أنقرة على تطوير محركات أكثر تطورا لمسيرات «TB3»، كما أنتجت بالفعل محركا خاصا لمروحية «غوك باي» يصلح أيضا لـ «أكينجي»، ما يعني أن البلاد باتت تمتلك قاعدة صناعية حقيقية في تقنيات المحركات.
وأشار إلى أن تطوير المحركات، وخصوصا النفاثة، عملية معقدة تستغرق سنوات وتشكل تحديا، لافتا إلى أن مشروع محرك المقاتلة التركية «قآن» مازال قيد التطوير، على غرار التجربة الصينية مع مقاتلة J-20. حين حلقت أربع سنوات بمحركات روسية قبل أن تطور بكين محركاتها الخاصة.تركيا حققت تقدماً ملحوظاً في مجال تطوير المحركات والطائرات المسيّرة
وشدد بيرقدار على أن القيمة الاستراتيجية للطائرات لا تكمن في المحرك وحده، بل في الأنظمة الإلكترونية، والرادارات، والكاميرات، والبرمجيات، مؤكدا أن شركة «بايكار» في جوهرها شركة روبوتيك تركز على الإلكترونيات والتحكم الذاتي والبرمجيات، بينما استثمرت تركيا محليا في أنظمة رادار متقدمة طورتها شركات مثل «أسيلسان»، فضلا عن الكاميرات الكهروبصرية المتقدمة، والحواسيب الجوية التي لا يمكن للطائرة العمل بدونها.
«كيزليما»
وأضاف أن هذا التوجه جعل تركيا اليوم في موقع ريادي عالمياً، فبعدما لم يكن لديها أي تصميم محلي قبل سنوات قليلة، أصبحت أول دولة تدخل مرحلة الإنتاج الكمي لمقاتلة مسيّرة، مستحوذة على نحو 65 في المئة من السوق العالمي، 60 في المئة منها عبر شركة بايكار.
واعتبر أن سر النجاح في هذا المسار السريع يكمن في الإيمان العميق، والإصرار، والابتعاد عن الفساد والانقسام.
وفيما يخص الطائرة الجديدة «كيزليما» (أو كيزيل إلما)، أعلن بيرقدار أنها دخلت بالفعل مرحلة الإنتاج المتسلسل هذا العام، مع ست طائرات قيد التجميع، ومن المتوقع أن تدخل الخدمة عام 2026. وبيَّن أنها أكثر تعقيداً بعشر مرات من «أكينجي»، سواء على مستوى الأنظمة الميكانيكية، وأنظمة الهبوط المعقدة، أو على صعيد الإلكترونيات والطاقة، وجميع هذه المكونات تُصمَّم وتُنتج محلياً بالتعاون مع شركات تركية صغيرة ومتوسطة.
وكشف عن نجاح «TB3» في اختبارات الإقلاع والهبوط على سفن قصيرة المدرج، لتصبح أول طائرة مسيرة في العالم تحقق ذلك، متفوقة على مشاريع مماثلة في الولايات المتحدة وإسرائيل. ونفذت الطائرة 170 عملية إقلاع وهبوط متتالية في ظروف مناخية مختلفة، وشاركت في مناورات بحرية ضخمة بمشاركة 42 دولة، حيث أثبتت قُدرتها على توجيه ضربات دقيقة عبر أنظمتها الكهروبصرية ورادارات «أسيلسان».
وأشار إلى تطوير صواريخ جديدة، مثل صاروخ كروز أسرع من الصوت بسرعة 5 ماخ من إنتاج «روكيتسان»، قادر على ضرب أهداف بحرية على بُعد 50 كلم عند إطلاقه من ارتفاع 20 ألف قدم، ما يجعل اعتراضه شبه مستحيل. واعتبر أن هذه القدرات الجديدة تعزز مفهوم «القوة البحرية الجوية» لدى تركيا.
ولفت بيرقدار إلى أن تكلفة «كيزليما» أقل بخمسة إلى عشرة أضعاف من مقاتلات الجيل الخامس والسادس، وقد تصل الفجوة إلى 20 أو 30 مرة تبعاً للعقود والظروف. والأهم أن 90 في المئة من الطلعات الجوية عادة ما تكون تدريبية، ما يجعل استخدام الطائرات المأهولة مُكلفاً ومُرهقاً للميزانيات، في حين تقدم الطائرات غير المأهولة بديلاً أكثر اقتصاداً وأمناً لغياب المخاطر على حياة الطيارين.
بيرقدار: القيمة الاستراتيجية للطائرات لا تكمن في المحرك وحده بل في الأنظمة الإلكترونية والرادارات والكاميرات والبرمجيات
وأوضح أن الحروب الأخيرة، في سورية إلى ليبيا وأذربيجان، أثبتت أن المسيّرات التركية غيَّرت قواعد اللعبة، وحوَّلت الطائرات غير المأهولة من أدوات استطلاع إلى أدوات حسم قتالي. TB2 مثلاً دمَّرت أكبر عدد من المُعدات القتالية في التاريخ مقارنة بأي مسيّرة أخرى، رغم أن حمولتها نصف حمولة «أكينجي». ومن هنا، المستقبل يتجه نحو أسراب من الطائرات المسيّرة الذكية القادرة على العمل المنسق في الجو والبحر والبر.
وحول آلية التصدير، قال بيرقدار إن «كيزليما» تمثل خياراً استراتيجياً للدول التي لا تمتلك قوة جوية متقدمة، فهي توفر قُدرات تضاهي، بل تتفوق على المقاتلات المأهولة من أجيال متعددة، لكن بكلفة أقل بعشرات المرات، الهدف أن تصبح هذه الطائرة بمنزلة «العمود الفقري» للقوة الجوية المستقبلية، كما أصبحت أنظمة أندرويد العمود الفقري لعالم الهواتف الذكية.
ويرى القائمون على المشروع أن التطوير لم يكن مجرَّد نتاج تعليم أكاديمي رفيع، بل ثمرة ثقافة وتجربة طويلة داخل الأسرة والمجتمع، من اللعب في الصغر بالمُعدات، إلى الإصرار على تحقيق استقلالية وطنية في التكنولوجيا.
اليوم، مع دخول «كيزليما» مرحلة الإنتاج المتسلسل، تتطلع تركيا إلى فرض نفسها لاعباً محورياً في مستقبل الحروب الجوية، حيث يتقدم الذكاء الاصطناعي والأنظمة غير المأهولة على حساب المقاتلات التقليدية المكلفة والبشرية.
سلجوق يجسد روح الصناعات الدفاعية التركية
يجسد سلجوق بيرقدار نجاح صناعة الدفاع في البلاد وحيوية ابتكاراتها التكنولوجية، فهو مهندس ومدرب ومصمم لطائرة «تي بي 2» المسيرة التي منحت تركيا تفوقاً جوياً على الأكراد في شمال سورية والعراق، ومنحت أذربيجان الأفضلية على أرمينيا عام 2021، ومكنت أوكرانيا من الرد بفعالية على روسيا عام 2022.
وقال قائد قاعدة إسطنبول البحرية، الأدميرال البحري رجب إردينتش يتكين، إن «أناضولو» تعتبر أداة لإبراز القوة بفضل قدراتها البرمائية والطائرات المسيرة التي تحملها، ويمكن استخدامها أيضاً في العمليات الإنسانية بفضل المستشفى الموجود على متنها».
وأضاف أنه على سطح السفينة المزين بالأعلام في يوم النصر، يعرض سلجوق بيرقدار أحدث معداته، مثل طائرة تي بي 3 القادرة على الإقلاع من مدارج أقصر، وطائرة كيزيللما القتالية المسيرة، المصممة لمرافقة الطائرات المقاتلة من الجيل الجديد، والتي سيتم تسليم أول طائرة منها للجيش التركي عام 2026.
عرض عسكري ومسابقة تكنولوجية
يضم مهرجان تكنوفيست عرضاً عسكرياً ومسابقة تكنولوجية، تشارك فيها فرق من المهندسين الشباب لعرض ابتكاراتهم والفوز بمنح ممولة من مؤسسة يرأسها أيضاً سلجوق بيرقدار، وتعرض خلال المهرجان مجموعة من طائرات مسيرة ذاتية القيادة، وعلى مسافة أبعد، مركبة تعمل من بعد تحت الماء.
وقال أحد أعضاء فريق تكنوفيست: «لقد صمموا رقائق المعالج بأنفسهم. بعد عشرين عاما سيبنون غواصات»، وهناك تحت خيمة يظهر نموذج أولي مزين بلافتة «حرروا فلسطين».
«موغيم» أول حاملة طائرات تركية محلية
يعد مهرجان «تكنوفست» حدثاً شعبياً وسياسياً دائماً، أعلن فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن بناء سفينة أكبر من «الأناضول»، ومن المتوقع تسليم حاملة الطائرات المستقبلية من فئة موغيم إلى البحرية التركية عام 2030. وتعد «موغيم» أول حاملة مقاتلات وطنية تصمم وتبنى كاملة في تركيا، وهي أكبر سفينة حربية في تاريخها. وذكرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية أن الحاملة التركية تجاوزت حاملة الطائرات شارل ديغول، وأصبحت أكبر حاملة تبنى في منطقة المتوسط.
وتتفوق هذه السفينة بشكل كبير على حاملة الطائرات التركية السابقة «تي سي جي أناضول»، التي يبلغ طولها حوالي 232 متراً، وتتفوق على معظم سفن الهجوم البرمائية الأوروبية، وهذا يجعلها الأكبر في أوروبا ومن ضمن الأكبر في العالم.
«تكنوفيست الوطن الأزرق» يستقبل زواره
فتح مهرجان «تكنوفيست الوطن الأزرق» أبوابه للزوار، ضمن مهرجان «تكنوفيست 2025»، بمقر قيادة حوض بناء السفن في إسطنبول.
و«تكنوفيست الوطن الأزرق» الذي يعكس رؤية «الحملة الوطنية التركية للتكنولوجيا» في البحار، ينظمه وقف فريق التكنولوجيا التركي «T3»، بالتعاون مع وزارتي الصناعة والتكنولوجيا، والدفاع، وبشراكة إعلامية من وكالة الأناضول.
المهرجان يجمع عشاق التكنولوجيا والصناعات الدفاعية في إطار المجال البحري، وتشتمل فعالياته على مسابقة الصواريخ تحت المائية، ومسابقة الأنظمة البحرية غير المأهولة، والمركبات البحرية المسيرة، إلى جانب فعاليات أخرى، وسيتم عرض أبرز السفن في أسطول القوات البحرية التركية، مثل «أناضولو»، و«إسطنبول»، و«بورغاز أدا»، و«الريس عروج»، و«نصرت»، و«صقاريا»، و«الريس خضر».
وتضمن الحدث أيضا تنظيم عروض مختلفة مثل «النفق الزمني للوطن الأزرق»، ومساحات ألعاب تفاعلية يمكن تجربتها باستخدام نظارات الواقع الافتراضي، وتُقام فعاليات «تكنوفيست الوطن الأزرق» كجزء من «تكنوفيست» الذي يعد أكبر مهرجان للطيران والفضاء والتكنولوجيا في العالم.
وينظم المهرجان فريق التكنولوجيا التركي «T3» بالتعاون مع وزارتي الصناعة والتكنولوجيا والدفاع، وبشراكة إعلامية مع وكالة الأناضول، ليجمع عشاق التكنولوجيا والصناعات الدفاعية في المجال البحري.