رأي قانوني في «الترحيب» الرمزي
في الخامس من الشهر الجاري، عبّر مجلس الوزراء اللبناني عن «ترحيبه» بالخطة التي وضعها الجيش اللبناني لحصر السلاح، وقرّر الإبقاء على مضمون الخطة ومداولاته بشأنها سريّاً، على أن ترفع قيادة الجيش تقريراً شهرياً بهذا الشأن إلى مجلس الوزراء. وبعيداً عن تشابك الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية وتعقيدات المسألة من الناحية السياسية، قد يبدو الأمر للوهلة الأولى وكأنه قرار حاسم من الناحية القانونية، إلا أنّ التمحيص يُظهر بوضوح أن «الترحيب» لا يتجاوز كونه موقفاً سياسياً عاماً لا يُنشئ أثراً تنفيذياً، فالمصطلحات العامة كعبارة «رحّب» أو «اطّلع» أو «أحيط مجلس الوزراء علماً»، التي أصبحت مألوفة في محاضر الحكومات، تُستخدم في حقيقة الأمر لنقل صورة عن المناقشات من دون أن تترتب عليها أي التزامات قانونية.
هذا النمط من الصياغة يعكس، في العمق، خصوصية الحياة السياسية اللبنانية، فالبيانات الرمزية كثيراً ما تكون وسيلة لتفادي الاصطدام المباشر داخل الحكومة، أو للحفاظ على الحد الأدنى من التوافق الطائفي والسياسي. لكن من منظور قانوني صِرْف، فإن الترحيب ليس قراراً إدارياً، بل مجرّد إعلان نوايا لقرار قادم أو غطاء سياسي لموقف قائم. المبادئ العامة للقانون الإداري تميّز بدقة بين البيان السياسي والقرار النافذ، إذ إن القرار الإداري، وفق المدلول القانوني، هو عمل صادر عن سلطة مختصة، يترتب عليه أثر قانوني محدّد، كإنشاء حق أو فرض التزام أو تعديل مركز قانوني. هذه الصفة تجعل القرار قابلاً للطعن أمام القضاء المختص متى خالف الدستور أو عارض القانون أو تجاوز حدود السلطة والصلاحيات.
أما البيانات العامة ومواقف الدعم السياسي، فهي تبقى خارج هذا الإطار، لأنها لا تحمل قوة الإلزام، وبالتالي لا يمكن إخضاعها للرقابة القضائية المناسبة.
وفي هذا السياق، يبرز مبدآن أساسيان يوجّهان عمل السلطات العامة، الأول هو مبدأ الدستورية، الذي يفرض انسجام كل عمل رسمي مع الدستور بوصفه القانون الأعلى. والثاني هو مبدأ المشروعية، الذي يلزم السلطات باحترام القوانين والأنظمة في كل تصرُّف أو قرار إداري. هذان المبدآن يشكّلان معياراً فاصلاً بين العمل الذي يكتفي بالرمزية، والعمل الذي يخلق أثراً قانونياً نافذاً ويُصبح قابلاً للمراجعة القضائية.
وانطلاقاً من ذلك، يتضح أن «ترحيب» مجلس الوزراء اللبناني بخطة جمع السلاح التي وضعها الجيش لم يغيّر في الوضع القانوني القائم، ولم يضف إليه من ناحية الإلزامية القانونية أي شيء. فالمرجعية الملزمة في موضوع جمع السلاح تبقى القرار الصادر في 5 أغسطس الماضي، حيث تبنّت الحكومة مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة وأجهزتها الأمنية. ذلك القرار حمل طابعاً تنفيذياً واضحاً، لأنه كرّس قاعدة دستورية تتعلق بسيادة الدولة ووحدانية سلطتها العسكرية.
أما الترحيب اللاحق، فليس سوى تغطية سياسية للجيش ومراعاة للتوازنات الداخلية، من دون أن يضيف بعداً قانونياً جديداً. الفارق بين القرار التنفيذي والبيان الترحيبي يجسّد التباين بين منطق القانون في لبنان ومنطق السياسة، حيث يُترك الحسم القانوني للنصوص الصريحة، فيما تُستخدم العبارات العامة كأداة لحماية التوافق أو تجنّب المواجهة.
وبذلك يبقى «الترحيب» في خانة الرمزية لا التنفيذ، وتبقى المشروعية الدستورية والقانونية في مجال حصرية السلاح رهن مستقبل التوافق المحلي وأهواء المناخ الدولي.
* كاتب ومستشار قانوني