انتبهوا
ما الذي يمكن للقادة العرب والمسلمين أن يقدموه اليوم سوى التضامن مع قطر والتنديد بالعدوان الإسرائيلي على أراضيها؟ هذا موقف طبيعي ومؤكد، لكنّه في الحقيقة لا يقدم شيئاً يردع الدولة الصهيونية مستقبلاً، مادامت الولايات المتحدة، ومن خلفها الدول الأوروبية، مستمرة في الوقوف بصلابة إلى جانب إسرائيل.
الرئيس الأميركي تعهّد بأن مثل هذا العدوان لن يتكرر، وادّعى أنه لم يكن على علم مسبق بوقوعه، إذ «أُصيبت الرادارات» في القاعدة الأميركية بقطر بالعمى قبل الضربة! ثمة مَن يقول إن ترامب ربما لم يكن يعلم، لكن المؤكد أن الاستخبارات الأميركية والبريطانية كانت على دراية مسبقة، بل إن تقارير تتحدث عن طائرة تجسس بريطانية كانت تحلِّق فوق المنطقة، وساعدت الطائرات الإسرائيلية في عمليتها.
ويبقى السؤال: هل هذه المعلومات صحيحة، أم أنها مجرد أقوال تصدر عن جماعات تناهض الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين؟ المؤكد الآن أن المنطقة العربية تحوّلت إلى «ساحة خلفية» للنظام الإسرائيلي، يضرب ويدمّر في أي بقعة يراها تهديداً لأمنه أو لطموحه التوسعي بابتلاع المزيد من الأراضي العربية المستباحة.
قرارات التضامن والتنديد لا تكفي، فإسرائيل أعلنت بوضوح أنها ستكرر مثل هذا العدوان في أي مكان تشتبه بوجود حركة حماس فيه. واللافت أن إسرائيل ذاتها ساهمت في خلق «حماس» منذ البداية، بقصد إجهاض مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة عبر إثارة الانقسام بين «حماس» و«فتح» ومنظمة التحرير، إلّا أن «السحر انقلب على الساحر».
وليس هذا ببعيد عن تجربة الولايات المتحدة حين دعمت تنظيم القاعدة والمنظمات الجهادية في أواخر سبعينيات القرن الماضي بحجّة تحرير أفغانستان من السوفيات، قبل أن تنقلب عليها لاحقاً وتضعها في خانة الإرهاب. هذا نهج استعماري قديم، خلق جماعات مناقضة لحركات التحرر الوطني، ثم الانقلاب عليها بعد استنفاد الغرض منها.
اليوم، يجتمع القادة في الدوحة، لكن ماذا يمكنهم أن يصنعوا؟ «العين بصيرة واليد قصيرة». معظم الدول العربية والإسلامية تدور في فلك القطب الغربي الأميركي. الرسالة التي يجب أن تصل إليهم بعد العدوان هي كلمة واحدة: انتبهوا.
انتبهوا لأنكم وضعتم كل بيضكم في سلّة واحدة. انتبهوا إلى ضرورة مراجعة أنفسكم، والالتحام مع شعوبكم، ورفع مستوى الوعي والتعليم والثقافة عند هذه الشعوب المقموعة. فالصراع في النهاية ليس عسكرياً فقط، بل هو صراع حضاري وفكري وعلمي، لا مكان فيه لقوى الجهل والاتكالية.