بالمختصر: اغتيال تشارلي كيرك: حين تتحوَّل الكاميرات إلى شاهد

نشر في 14-09-2025
آخر تحديث 13-09-2025 | 17:15
 د. فهد إبراهيم الدوسري

في مساء يوم 10 سبتمبر 2025، اهتزت مدينة أورِم في ولاية يوتا الأميركية على وقع خبر اغتيال الناشط المحافظ المعروف تشارلي كيرك.

ومن فوق سطح مبنى مجاور لقاعة الجامعة، انطلقت رصاصة قنص دقيقة أنهت حياة الرجل وهو يُخاطب جمهوره.

الرصاصة لم تكن عشوائية، فالمسافة، والزاوية، ونقطة الإصابة، جميعها تُشير إلى يدٍ خبيرة اعتادت التصويب في ظروفٍ احترافية. كما أن السلاح المُستخدم، وفق ما تسرَّب من التحقيقات، بندقية قنص ذات دقة عالية (bolt-action)، تُستخدم عادةً في العمليات العسكرية، أو عند محترفي الرماية طويلة المدى.

وطريقة التنفيذ تفتح الباب أمام قراءة ملامح شخصية المُنفذ، فنحن أمام قاتلٍ يمتلك برود أعصاب، وصبراً على الانتظار، وقُدرة على اختيار التوقيت الأنسب... هذه سمات لا تنتمي عادةً إلى الجريمة الانفعالية، بل إلى جرائم التخطيط المُسبق.

ومن الناحية الميدانية، فإن الصعود إلى سطح المبنى، واختيار زاوية الرؤية، وحمل سلاح دقيق الحجم والوزن، كُلها تُوحي بمعرفة ميدانية وخبرة سابقة، ربما عسكرية أو شبه عسكرية.

وعلى الصعيد الأيديولوجي، وبالنظر إلى شخصية الضحية (أحد أبرز الأصوات المحافظة المثيرة للجدل)، يمكن تفسير الدافع ضمن إطار الاغتيال السياسي. الجريمة تحمل رسالة تتجاوز تصفية شخص إلى محاولة إسكات تيار فكري بأكمله.

وفي مثل هذه القضايا، لا يترك القاتل أثراً صوتياً أو بصرياً مباشراً، لكنه لا يستطيع الإفلات من شبكة العيون الإلكترونية... عشرات كاميرات الـ CCTV في مُحيط الجامعة والمباني المجاورة، وتسجيلات الهواتف المحمولة للحضور، وربما كاميرات المرور التي رصدت طريق الدخول والخروج.

اليوم، لا يُنظر إلى هذه المقاطع كأدلة مشتتة، بل تُجمع في خوارزميات تحليل الفيديو بالذكاء الاصطناعي، لتبني خريطة زمنية لمسار المشتبه به: من لحظة دخوله المبنى إلى لحظة فراره عبر السطح.

ورغم دقة التنفيذ، فإن القنَّاص قد يكون ترك خلفه بصمات بيولوجية محتملة، كأثر بصمة كف على حاجز السطح، أو شعر أو عرق على القبعة أو القفازات، وربما بقايا جلد دقيقة على زناد البندقية والسلاح المُستخدم، يمكن من خلالها الوصول إلى الجاني في حال تعقب حيازته من تاريخ بيعه. أضف إلى ذلك مخلفات الإطلاق، وما يُعرف بالـ GSR... وهي ذرات تروي الحكاية، وعند مزج نتائج الـ GSR مع بيانات الكاميرات، يمكن إعادة بناء مشهد الاغتيال بدقة ثلاثية الأبعاد، وكأننا نُعيد الزمن إلى الوراء. وسيتم توظيف الذكاء الاصطناعي في دمج الصورة بالأثر، وأنظمة AI تمسح آلاف الساعات من الفيديو خلال دقائق، وخوارزميات المقارنة الجينية تعطي نِسباً احتمالية تصل إلى 99 في المئة. بهذه الطريقة، يُصبح الذكاء الاصطناعي بمنزلة المدَّعي العام الصامت الذي يقدِّم للمُحققين خيوطاً مُحكمة، لا يخرقها الإنكار.

خاتمة:

بين الأثر والصورة، يبقى الرهان: أن العدالة العلمية ستنتصر، وأن الكاميرات والذكاء الاصطناعي والـ DNA وGSR ستكتب معاً الفصل الأخير في هذه القضية. وهذا ما حصل، وفق المعلومات المتوافرة. فقد تم إلقاء القبض على الجاني بعد تعرُّف أحد أفراد عائلته عليه، عقب نشر صور من كاميرات المراقبة التي صوَّرت الجاني في موقع الاغتيال.

back to top