عبدالله النيباري... فارس التأميم وصوت البرلمان

نشر في 14-09-2025
آخر تحديث 13-09-2025 | 17:13
 ضاري المير

يُعد عبدالله النيباري أحد أبرز رجالات الكويت السياسيين في النصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين. لم يكن مجرَّد نائب برلماني أو اقتصادي متمكِّن، بل كان مناضلاً قومياً، ورمزاً وطنياً، ومؤسساً للحركات والتنظيمات السياسية التي شكَّلت ملامح التجربة الديموقراطية الكويتية. من القوميين العرب، إلى معركة التأميم، إلى تأسيس المنبر الديموقراطي الكويتي، إلى لجنة تقصي الحقائق بعد الغزو، إلى جمعية حماية الأموال العامة، وصولاً إلى وقوفه في صف الشباب بساحة الإرادة.

سيرة النيباري تختصر سيرة وطن، وتشكَّل وعيه السياسي في الخمسينيات مع صعود المد القومي العربي وزعامة جمال عبدالناصر. انخرط في حركة القوميين العرب بالكويت، وفي 1971، دخل مجلس الأمة نائباً مُسلحاً بخبرة اقتصادية واسعة من عمله في شركة البترول الوطنية، وحمل على عاتقه ملف النفط، ليقود معركة تأميم النفط الكويتي، وكشف خلل عقود الامتياز مع الشركات الأجنبية. استخدم أدوات الاستجواب والرقابة البرلمانية لإجبار الحكومة على المواجهة، كما رسَّخ خطاباً وطنياً يعتبر النفط ملكاً للأمة لا للشركات.

وفي مارس 1975 تحقق الإنجاز التاريخي: التأميم الكامل للنفط، وهو الحدث الذي رسَّخ مكانة النيباري كفارس البرلمان وصوت السيادة. كما ساهم في الدفع نحو إقرار قانون إنشاء مؤسسة التأمينات الاجتماعية، باعتباره ركيزة لضمان حقوق المتقاعدين وتأمين مستقبل المواطنين. القانون كان ترجمة عملية لرؤية النيباري بأن الثروة الوطنية يجب أن تتحوَّل إلى مكاسب اجتماعية.

وبعد التجربة النيابية، ومع اتساع الحاجة لتنظيم العمل السياسي المدني، كان النيباري من المؤسسين للمنبر الديموقراطي الكويتي في مطلع التسعينيات، ليكون منبراً وطنياً جامعاً يُدافع عن الدستور، ويصون الحُريات، ويعزز المشاركة الشعبية. المنبر شكَّل امتداداً طبيعياً لمسيرته النضالية.

وبعد تحرير الكويت من الغزو الغاشم في 1991، شارك النيباري في لجنة تقصي الحقائق البرلمانية، مُصراً على أن المُصارحة مع الشعب هي الطريق لبناء الثقة، وأن كشف الأخطاء هو السبيل الوحيد لتجاوز كارثة الاحتلال. بذلك، رسَّخ صورته كسياسي لا يساوم في القضايا الوطنية.

وكان النيباري من المُبادرين لتأسيس جمعية حماية الأموال العامة، التي أصبحت منبراً مدنياً لمكافحة الفساد. وقدَّم استجوابات عديدة في البرلمان حول قضايا الهدر والصفقات المشبوهة، رافعاً شعار: «المال العام أمانة، ومَنْ يعبث به يعبث بمستقبل الأمة». وظل رمزاً للنزاهة والرقابة الشعبية حتى آخر حياته.

لقد وجد الشباب فيه رمزاً حياً لجسر الأجيال، وحضر معهم في «نبيها خمس»، وأشاد بجرأتهم، مؤكداً أن حِراكهم امتداد لمعركة الاستقلال والتأميم.

خاتمة:

عبدالله النيباري لم يكن مجرَّد سياسي، بل مدرسة وطنية ممتدة. إنه سيرة تختصر نضال الكويت مع الحُرية، والسيادة، والديموقراطية. سيبقى اسمه محفوراً في ذاكرة الوطن، بوصفه صوت الأمة الذي لم يتعب يوماً من الدفاع عنها.

back to top