إسرائيل الكبرى بين الوَهم والحقيقة

نشر في 14-09-2025
آخر تحديث 13-09-2025 | 17:12
 أ. د. فيصل الشريفي

لم تمضِ سوى سنوات قليلة بين الوعد الذي أصدره وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور إلى اللورد روتشيلد في الثاني من نوفمبر 1917، بمنح دعم بريطانيا العظمى، آنذاك، لتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، وبين إعلان قيام دولة إسرائيل في الرابع عشر من مايو 1948، غير أن هذا لم يكن سوى البداية لهدف أبعد بكثير من حدود فلسطين الجغرافية، يتمثل فيما يُسمَّى «إسرائيل الكبرى»، الممتدة من النيل إلى الفرات.

إذا ما عُدنا إلى الفترة التي سبقت قيام الكيان الإسرائيلي، وطرحنا السؤال حينها على العرب، هل كانوا يتوقعون أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين سيتحوَّل إلى حقيقة مريرة نعاني تبعاتها حتى اليوم؟

لقد شكَّل وعد بلفور نقطة تحوُّل مفصلية للحركة الصهيونية العالمية، إذ مهَّد الطريق أمامها لتحقيق حلمها الكبير، عبر ترسيخ تفوقها العسكري، وتعزيز نفوذها الاقتصادي، وتوسعها السياسي، وصولاً إلى مراكز صُنع القرار بالدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، الحليف الاستراتيجي الأول.

اليوم يثور التساؤل حول كم من الوقت قبل أن نشهد حلم أو تجسيد خريطة «إسرائيل الكبرى»، التي أعلن عنها رئيس وزراء الحكومة الإسرائيلية، في تحدٍّ صارخ للدول والشعوب العربية، المُطبِّع منها، أو الرافض للتطبيع.

رئيس وزراء حكومة إسرائيل لم يكن ليجرؤ على إعلان إسرائيل الكبرى لولا معرفته بما تمرُّ به المنطقة العربية من ضَعفٍ وقلة حيلة، ولمعرفته بأن الطريق بات ممهداً أمام مشروعها التوسعي، من خلال فرض أجندتها على المنطقة، باعتبارها القوة المهيمنة بالمنطقة والراعية للديانة الإبراهيمية والمُنقذ للشعوب العربية من حياة البؤس الذي تعيشه.

ولتقريب فكرة إمكانية قيام إسرائيل الكبرى هناك بعض النقاط المهمة التي يجب تسليط الضوء عليها، منها:1- توطين فكرة تفوق إسرائيل العسكري في وجدان المواطن العربي، وعدم قدرة أي دولة على هزيمتها. 2- سيطرة «اللوبي» اليهودي على القرار الأميركي، مما يصعب على الدول العربية اختيار أي قرارات مصيرية تخالف الإرادة الأميركية. 3- ما آلت إليه الأوضاع في معظم الدول العربية من فسادٍ سياسي واقتصادي وإداري واجتماعي رمى بظلالة على معيشة المواطن العربي. 4- افتعال المشاكل، وتعظيم النزاعات الحدودية بين دول المنطقة، وإشغالها بحروبٍ عبثية، كالحرب الإيرانية- العراقية، وغزو العراق لدولة الكويت. 5- استجابة الشعوب لدعوة إدارة الرئيس الأميركي السابق أوباما للربيع العربي، وما صاحبها من دمار يصعب إصلاح تبعاته في المنظور القريب، وأخيراً تفشي النَّفَس الطائفي والعنصري بين الشعوب العربية.

قد بتُّ اليوم، ومن خلال متابعتي للأحداث التي تعصف بالمنطقة، أكثر قناعة بأن إعلان رئيس وزراء الكيان نتنياهو عن خريطة إسرائيل الكبرى لم يكن مجرَّد وسيلة ضغط للتخلي عن مشروع قيام الدولتين، بل هو مسعى يخطط له الصهاينة بعنايةٍ فائقة، وإن لم ننتبه، كعرب ومسلمين، إلى خطورة هذا المشروع التوسعي ونواجهه بما أُوتينا من وعي وقوة، فإن نتائجه ستكون كارثية.

وفي كل هذه الأحداث يحضرنا قول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾. [الحشر: 2]

ودمتم سالمين

back to top