الفجور في الخصومة
الخصومة ليست شرّاً في ذاتها، فهي من طبائع البشر، لكنّ الرذيلة أن تتحول إلى فجورٍ يطيح بجسور المودة ويهدم أركان المروءة. فالخلاف ينقضي، غير أن جرح الكلمة يبقى طويل الأثر، ولهذا قال الحكماء: «إنما يُعرف الرجال عند الغضب».
ودوّن التاريخ شواهد عظيمة على السموّ الأخلاقي في زمن الخلاف، لعلّ أبرزها ما روي عن الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، إذ وقف رجل في مسجد الكوفة يطعن فيه ويتهمه بما ليس فيه، فما كان من علي إلا أن قال بهدوء: «إن كنتَ صادقاً فغفر الله لي، وإن كنتَ كاذباً فغفر الله لك».
هكذا يتجلّى الفارق بين خصومةٍ تحفظ للإنسان كرامته، وأخرى تُسقطه في مهاوي الفجور. ولعل الشعراء كانوا أبلغ من عبّر عن خطورة الفجور في الخصومة، إذ قال المتنبي:
وإذا أتتك مذمّتي من ناقصٍ
فهي الشهادة لي بأني كاملُ
فالخصومة الحقيقية ليست في الانتصار على الخصم، بل في الانتصار على النفس وكبح جماحها، والمروءة أن تضبط لسانك، وتجعل حلمك سياجاً على غضبك، وتدرك أن لحظة الانفعال قد تكتب سيرتك بما لا تحب.
إذا كان ضبط النفس واجباً بين الأفراد، فهو في المشهد الكويتي ضرورة مصيرية، فحين تنزلق الخلافات إلى فجور، لا يُبنى المستقبل، بل تُنهب طاقات الحاضر، ويحمل الوطن بأكمله ثمن هذه الخلافات، بفاتورة لا يدفعها الخصوم وحدهم، بل جيل الشباب الذي يتطلّع إلى التنمية، وينتظر من الجميع أن يرتفعوا بخلافهم إلى مستوى المسؤولية، لا أن يهبطوا به إلى سجالات تُبدّد الطاقات وتؤخر المسيرة.
الخلاف يزول، أما أثر الفجور في الخصومة فيبقى شاهداً لا يزول، ولا أثقل على الوطن من أن يرى أبناءه وأجياله الصاعدة يدفعون ثمن نزاع لم يصنعوه.
الفجور في الخصومة لا يجرح الخصم وحده، بل يُثقل كاهل الوطن ويترك أجياله يدفعون ثمن نزاعات لم يصنعوها، ويزرع في المجتمع آثاراً سلبية يصعب محوها.