مكانك سر... أزمة مستمرة وإصلاح مؤجل

نشر في 11-09-2025
آخر تحديث 10-09-2025 | 20:10
 حسن العيسى

في الوقت الذي يواصل الخطاب العام التحدث عن «الاستعداد للمستقبل»، تتجاهل الإدارة والنخب السياسية الحقيقة الأشد إلحاحاً: الأزمة قائمة الآن، وتكبر لحظة بعد لحظة. السؤال المطروح: هل هناك وعي جاد بها، أم أننا مازلنا أسرى مقولة «المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين»؟

أمس، نشرت هذه الصحيفة تقريراً نقلاً عن مؤسسات مالية كبرى مثل «ستاندرد آند بورز» و«غولدمان ساكس»، تتوقع فيه انخفاض أسعار النفط إلى 55 دولاراً للبرميل، في ظل استمرار «أوبك» برفع الإنتاج. بل إن «غولدمان ساكس» ذهبت إلى أبعد من ذلك بتوقعها «فائضاً نفطياً أكبر قليلاً في عام 2026». هذه المؤشرات تنذر بتحديات اقتصادية مباشرة، تلامس شريان الاقتصاد الريعي المعتمد على النفط.

في المشهد المحلي، لا يزال القادمون الجدد إلى سوق العمل يطرقون باب الحكومة – رب العمل الوحيد، وسط غياب شبه تام لفرص العمل في القطاع الخاص أو بيئات إنتاجية حقيقية... فماذا عسانا أن نفعل؟

اللافت أن هذه الإشكالية ليست جديدة. ففي عام 1990، وقبيل الغزو العراقي، أصدر د. سعد عبدالرحمن كتاباً بعنوان «البيروقراطية النفطية ومعضلة التنمية»، نُشر ضمن سلسلة «عالم المعرفة». آنذاك، كتب بمرارة عن الحاجة إلى إدراك الواقع بكل فجاجته، بعيداً عن الأوهام المريحة، مشيراً إلى أن أولى خطوات التنمية الحقيقية هي الخروج من الحلقة المفرغة للإنكار والتجاهل.

في توصيفه لسياسات دول الخليج عامة، قال عبدالرحمن: «النمط الذي تقدم به الخدمات – كالصحة والتعليم – هو نمط استهلاكي، لا إنتاجي، يهدف إلى مساعدة الناس، لا إلى تمكينهم من مساعدة أنفسهم».

وقد كان أكثر وضوحاً حين وصف الأجهزة الحكومية بأنها: «غير مؤهلة لقيادة التنمية، كونها أسيرة للبيروقراطية، مخلصة للروتين، ومفرطة في إنتاج الإجراءات والقواعد التي تعرقل الكفاءة الإنتاجية».

ورغم أن معظم دول الخليج استوعبت هذا التحذير وانطلقت منذ عقود في مسارات الإصلاح والتحول، فإن الكويت بقيت متأخرة، تقاوم التغيير، وتستعيض عن الإنجاز بالوعود، وإن حصل إصلاح فهو محدود، مجتزأ، محكوم بشبكة من الأسماء والدوائر ذاتها التي كانت ولا تزال تحتكر مفاصل القرار الاقتصادي والإداري.

يكفي أن نراقب كيف تُختار القيادات في مفاصل الدولة: نفس العوائل، نفس الأسماء، نفس الدوائر المقربة. وكأن الزمن توقف، وكأننا لا نزال نقف حيث كنا قبل عقود.

نحن لا نعيش أزمة محتملة في الأفق، نحن نعيشها الآن.

وإذا استمرّ الأداء على ما هو عليه، فإن السؤال لن يكون «متى نبدأ؟»، بل «لماذا لم نبدأ عندما كان لا يزال هناك وقت؟».

back to top