روسيا تختبر «الناتو»... وبولندا تفعّل المادة 4

• مقاتلات أطلسية تتصدى لـ 19 مسيّرة روسية تسللت إلى الأجواء البولندية... وموسكو تنفي التعمد

نشر في 11-09-2025
آخر تحديث 10-09-2025 | 18:50
 موقع سقوط مسيرة روسية في بولندا أمس (أ ف ب)
موقع سقوط مسيرة روسية في بولندا أمس (أ ف ب)

في انتهاك غير مسبوق لسيادة دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، تعرّضت بولندا أمس إلى «اختراق جوي لعدد ضخم من الطائرات المسيّرة شكّل بعضها تهديدا مباشراً» لأراضيها، تزامناً مع هجوم كبير شنّه الجيش الروسي على أوكرانيا واستخدم فيه 415 طائرة مسيّرة و40 صاروخاً.

وأعلن رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك، أن «عدداً هائلاً من الطائرات المسيّرة الروسية انتهك المجال الجوي، وتم إسقاط تلك التي شكلت تهديداً مباشراً، موضحاً أن ما لا يقل عن 19 مسيّرة نفذت العملية، وتم إسقاط عدد منها.

واعتبر توسك، في مستهل اجتماع استثنائي لحكومته، أن انتهاك روسيا لمجال بولندا الجوي عمل عدائي، وطلب من «ناتو تفعيل بند التشاور في حال التهديد»، المنصوص عليه في المادة 4 من المعاهدة التأسيسية للحلف.

وتنص تلك المادة على أن أي دولة عضو في الحلف يمكنها أن تطلب التشاور مع بقية الأعضاء إذا رأت أن سلامتها الإقليمية، أو استقلالها السياسي، أو أمنها مهدَّد قبل الوصول إلى مواجهة مباشرة.

وعلى عكس المادة 5، التي تنص على أن «الهجوم على عضو واحد يُعتبر هجوماً على الجميع»، وهو أساس مبدأ الدفاع الجماعي، لا تعني المادة 4 التزاماً تلقائياً باستخدام القوة، وعادة تستخدم كأداة سياسية ودبلوماسية لإظهار التضامن، وزيادة التنسيق، أو إصدار تحذيرات للخصم.

وأكد توسك أن الانتهاكات المتكررة وغير المسبوقة لمجال بولندا الجوي تشكّل «عملاً عدائياً»، و«استفزازاً محتملاً واسع النطاق».

ورغم تأكيده أنه «لا يوجد سبب لإعلان حالة حرب»، فقد حذّر توسك من أن بولندا في وضع هو الأقرب إلى نزاع مسلح منذ الحرب العالمية الثانية.

وقال: «الوضع خطير. لا أحد اليوم يمكنه أن يشك في أننا يجب أن نستعد لسيناريوهات مختلفة، نحن مستعدون لصد مثل هذه الاستفزازات والهجمات»، مؤكداً أن هذا «الاختبار الأول» للجيش البولندي وحلفائه والإجراءات المتّبعة «تم اجتيازه بنجاح».

وأوضح أن بولندا تلقت دعماً بالإجماع من حلفائها خلال العملية العسكرية التي استمرت طوال الليل ضد الطائرات المسيّرة الروسية، وانتهت فجر أمس. وشدد على أنه على اتصال دائم مع الأمين العام للحلف، مارك روته، ومع الحلفاء للرد على هذا النوع من التهديدات بـ «الفعالية نفسها» التي جرى التعامل بها مع الاختراق.

ووضعت القوات المسلحة البولندية في حالة تأهب قصوى، وأعلنت أنها مستعدة للرد على أي هجمات أو استفزازات.

وقال وزير الدفاع، فلاديسلاف كاميش، إن «أكثر من 10 أجسام اخترقت المجال الجوي، وتم تحييد الأجسام التي شكّلت خطراً على أمن بولندا. وشكر قيادة «ناتو» والقوات الملكية الهولندية على دعم العملية بالطائرات القتالية إف 35.

وعُثر على 7 مسيّرات وحطام مقذوف لم يتم تحديد ماهيته، وأوضحت قيادة العمليات البولندية أن إحدى المسيّرات سقطت على سطح مبنى سكني في بلدة ويريكي، وسببت أضراراً مادية طفيفة، بينما عُثر على حطام أخرى في إقليم لوبلين يخضع للفحص العسكري. وطالبت السكان بعدم الاقتراب أو لمس أيّ حطام مسيّرات، قبل أن يتم فحصه من قبل فرق المتفجرات.

وأغلقت السلطات البولندية مؤقتاً جزءاً من مجالها الجوي وحركة الطيران، إلا أن المطارات الأربعة التي توقفت عن العمل عادت أمس إلى نشاطها الطبيعي.

من جهته، أكد روته أن الدفاعات الجوية ساهمت في التصدي للمسيّرات التي انتهكت المجال البولندي، مشيراً إلى أنه «يجري حالياً تقييم شامل. وسواء كان ذلك متعمداً أم لا، فهو تصرُّف متهور وخطير».

وقال روته للرئيس الروسي فلاديمير بوتين: «توقف عن انتهاك المجال الجوي للحلفاء، وأعلم أننا على أهبة الاستعداد، وسندافع عن كل شبر من أراضينا».

وأكد رئيس وزراء هولندا، ديك سخوف، إرسال مقاتلات إف 35، وأعرب عن استعداده لتقديم مزيد من الدعم لبولندا.

ووفقاً للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، فإن الجيش الروسي استخدم أكثر من 40 صاروخاً بالستياً و415 طائرة مسيّرة في هجومه على أوكرانيا، وقرر توسيعه إلى الأراضي البولندية، بتوجيه نحو 8 منها من طراز «شاهد» الإيرانية عمداً نحو الدولة العضو بحلف ناتو.

من جانبها، أشارت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمن، كايا كالاس، إلى أن هناك «مؤشرات تدل» على أن الهجوم الروسي على بولندا كان «متعمداً».

ودعت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إلى فرض المزيد من العقوبات على روسيا، وقالت إن الاتحاد الأوروبي سيستهدف ناقلات «أسطول الظل» التي تنقل النفط الروسي ودول ثالثة تشتريه.

وإذ أكدت دعمها لبولندا في مواجهة «الانتهاك الخطر» و«غير المسبوق» لمجالها الجوي، شددت فون دير لاين أمام نواب الاتحاد على ضرورة أن «تستقل» أوروبا في وسط عالم «معادٍ» و«عاصفة» جيوسياسية ستكون طويلة.

ودعا وزير الخارجية التشيكي، يان ليبافسكي، «ناتو» لتعزيز دفاعاته على جبهته الأمامية، واعتبر رئيس الوزراء السويدي، أولف كريسترسون، أن «العدوان الروسي ضد أوكرانيا يمثّل تهديداً لأمن أوروبا بأسرها».

ووصفت الحكومة الألمانية الاختراق الروسي بأنه «حادثة بالغة الخطورة»، توضح حجم تهديد روسيا وإلى أيّ مدى تختبرنا».

وإذ أعربت السويد والنرويج ولاتفيا عن إدانتها للهجوم، وأكدت دعمها لبولندا، ندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأشد العبارات، بالانتهاك الروسي، داعياً موسكو الى «الكفّ عن الهروب الى الأمام». وقال: «لن نتساهل على الإطلاق مع أمن الحلفاء».

ودان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر «الانتهاك الصارخ وغير المسبوق للمجال الجوي البولندي ولحلف ناتو»، وأكد دعمه لبولندا وأوكرانيا.

وقال: «الهجوم البربري خطوة متهورة للغاية من روسيا، ولا تخدم إلّا في تذكيرنا بتجاهل بوتين الصارخ للسلام والقصف المستمر للأبرياء كل يوم».

وفي حين تم إبلاغ وزير الخارجية الأميركي، مارك روبيو، بالانتهاك، قال سفيره لدى «ناتو»: «نقف إلى جانب حلفائنا في مواجهة هذه الانتهاكات، وسندافع عن كل شبر من أراضي الحلف».

ومن دون تأكيد أو نفي دخول مسيّراتها المجال الجوي البولندي، قالت وزارة الدفاع الروسية، في بيان، «لم تكن هناك أي نوايا لضرب أي أهداف في أراضي بولندا، ونحن على استعداد لعقد مشاورات بشأن هذه المسألة معها».

وقال القائم بالأعمال الروسي، أندري أورداش، إنه استُدعي إلى وزارة الخارجية، مضيفاً أن وارسو لم تقدم بعد أدلة على أن الطائرات المسيّرة التي أسقطت ليل الثلاثاء - الأربعاء أتت من روسيا.

وفي بيلاروسيا، حليفة موسكو، قال رئيس هيئة الأركان العامة، الجنرال بافيل مورافيكو، في بيان أمس: «خلال تبادل الضربات ليلاً بالطائرات المسيّرة بين روسيا وأوكرانيا، تتبعت قواتنا وأنظمتنا باستمرار الطائرات المسيرة التي انحرفت عن مسارها نتيجة تأثير وسائل الحرب الإلكترونية التي يستخدمها الطرفان».

وأضاف: «دمرت قوات الدفاع الجوي في بلادنا بعض الطائرات المسيّرة المنحرفة عن مسارها فوق أراضينا»، مشيرا إلى إبلاغ بولندا وليتوانيا باقتراب تلك الطائرات المسيّرة.

back to top