حنظلة يقف عند أبواب الأمم المتحدة

نشر في 10-09-2025
آخر تحديث 09-09-2025 | 17:40
 بدور المطيري

اعتدت أن أجلس مع أمي كل مساء وهي تتابع نشرة الأخبار على التلفاز. في كل مرة تظهر مشاهد غزة، تنفعل وتصرخ: «حرام... شنو ذنب الأطفال؟»، ثم تلتفت إليّ وكأنها تبحث عن جواب، «شنو بيدي أسوي لهم؟ متى تخلص هذه المأساة؟»، فأمد لها بالمنديل، لنمسح دموعنا معاً، وأدرك أن الملايين حول العالم يشاركوننا هذا الشعور الإنساني، ذلك العجز الممزوج بالغضب والحزن.

لكن المأساة في غزة ليست مجرَّد لحظة بكاءٍ عابرة أمام شاشة تلفاز، إنها قصة ممتدة منذ أكثر من 700 يوم، منذ السابع من أكتوبر 2023، والعداد لا يتوقف، كل يومٍ يُضيف رقماً جديداً إلى سجل الألم والحصار.

ومع ذلك، فإن غزة مازالت تعيش ما قاله محمود درويش يوماً: «ونحن نُحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا»، فيما ما زال حنظلة، طفل ناجي العلي، يُدير بظهره لنا، وما زالت يداه مكتوفتين.

«ايه... يا حنظلة»، آه لو أتعلم ما حدث! وكأن فلسطين ينقصها حصار جديد، لكن بنسخةٍ أحدث. فبينما يواصل الاحتلال تطويق الأرض وتجويع الإنسان في غزة، يظهر حصار آخر لا يقل خطورة، حصار الصوت الفلسطيني. وقد تجسَّد ذلك في القرار الأميركي الأخير، بمنع الوفد الفلسطيني، برئاسة الرئيس محمود عباس، من دخول نيويورك والمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

هذا القرار لا يمكن النظر إليه بوصفه تعسفاً دبلوماسياً عابراً، بل هو اعتداء صريح على شرعية شعب بأكمله، وعلى مؤسسة دولية كان من المفترض أن تلتزم الحياد، وتمنح الجميع حق الكلمة. إنه قرار يفتقر إلى أي أساسٍ قانوني أو أخلاقي، ويكشف انحيازاً فاضحاً للمُحتل، مؤكداً أن المؤامرة على فلسطين لم تعد محصورة في القصف العسكري أو الحصار الميداني، بل امتدت إلى مصادرة حقها في تمثيل نفسها بالمحافل الدولية.

نحن أمام عدوان مزدوج، قصف مدمِّر على الأرض، وحصار سياسي خانق على المنابر. وبينما يدفع الأطفال الأبرياء ثمن ما يقترفه الكبار من حروبٍ ومساومات، تُحرم فلسطين من حقها المشروع بأن تُسْمِع صوتها للعالم، من خلال المنظمة الدولية التي يفترض أن تكون منبراً للعدالة والإنصاف.

هذا الواقع يفرض على الدول العربية أن تتعامل مع القرار باعتباره قضية عربية عاجلة لا تحتمل التأجيل. فالتواطؤ أو الصمت لن يعني سوى إضفاء شرعية على هذا التعسُّف، وفتح الباب أمام المزيد من الانتهاكات التي ستعمِّق معاناة شعب يقاوم من أجل حُريته وكرامته.

إن الموقف المطلوب اليوم هو وحدة القرار العربي، وهو الرفض القاطع والحاسم لأي محاولة لفرض الوصاية على الأمم المتحدة، أو على الحق الفلسطيني، وإعادة الاعتبار إلى فلسطين كقضية مركزية لا يملك أحد حق شطبها أو تهميشها.

إن غزة الكرامة لا تطلب شفقة، بل تُريد اعترافاً بإنسانيتها وشرعيتها. إنها مرآة نرى فيها هشاشتنا وقوتنا معاً.

المقالات قد لا تُوقف الحرب، لكنها تستطيع أن تُعيد صياغة الحكاية بعيون إنسانية، تذكِّر بأن فلسطين ليست مجرَّد قضية سياسية، بل هي جُرح إنساني مفتوح.

في النهاية، يبقى حنظلة حاضراً، يقف في الأزقة والمخيمات، يفضح صمت العالم، حتى لو حاولوا منع صوته بقاعات الأمم المتحدة، وأوصدوا الباب في وجهه، ويسألنا جميعاً متى سندير- نحن العرب - وجوهنا لنراه؟

* يُنشر بالتزامن مع صحيفة الشرق القطرية

back to top