الشرق يتحد... والغرب يهتز!
في الثالث من سبتمبر الجاري، اجتمع في بكين ثلاثة من أبرز زعماء العالم «الشرقي»: شي جين بينغ، وفلاديمير بوتين، وكيم جونغ أون، في مشهد غير مسبوق خلال أكبر عرض عسكري تشهده الصين بمناسبة الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية.
لم يكن هذا المشهد مجرد احتفال تاريخي أو عرض للقوة العسكرية، بل حمل رسائل سياسية واضحة تعكس تبلور محور شرقي جديد في مواجهة النفوذ الغربي، وتحديدًا الولايات المتحدة.
الحضور المشترك لزعماء أكبر وأقوى ثلاث دول شرقية عكس انسجامًا استراتيجيًا يقوم على تبادل الدعم في ملفات حساسة مثل الحرب في أوكرانيا، ومواجهة العقوبات الغربية، وإبراز التماسك أمام ما يعتبرونه هيمنة أميركية تبدو متراجعة رغم وصولها للقمة.
الصين، التي أظهرت للمرة الأولى أسلحة جديدة من «ثالوثها النووي» المتمثل بالقدرات البرية والبحرية والجوية، أرادت إيصال رسالة بأن لديها من أدوات الردع ما يكفي لفرض معادلة جديدة في الأمن العالمي.
أما روسيا، التي تخوض حربًا مستمرة في أوكرانيا منذ سنوات، فقد وجدت في هذا الاصطفاف سندًا سياسيًا وعسكريًا، خصوصًا بعد إعلان كوريا الشمالية استعدادها الدائم لإرسال قوات دعم «أخوي» على الأرض.
في المقابل، تبدو الولايات المتحدة في موقع المنزعج - وفق ما غرّد به الرئيس ترامب - ليس فقط بسبب بروز هذا المحور الشرقي، بل أيضًا بسبب ما يساور الإدارة العميقة في واشنطن من قلق بسبب اهتزاز الثقة الأوروبية بالحليف الأميركي.
فموقف الرئيس ترامب من الحرب في أوكرانيا، والذي اتسم بالتردد وغياب الالتزام الحاسم تجاه الحلفاء، أحدث صدمة في العواصم الأوروبية، مما دفع بعض تلك العواصم الكبرى الى التفكير ببناء نوع من «تحالف الراغبين» داخل القارة العجوز لمواجهة الأخطار الآنية، بعيدًا عن حسابات البيت الأبيض، علماً بأن «تحالف الراغبين» هو في علم السياسة مصطلح بلاغي يشير إلى شراكة دولية مؤقتة يتم إنشاؤها لغرض تحقيق هدف معيّن.
الجبهة الشرقية يبدو أنها تحنّ لأمجاد الماضي وتسعى لاستعادة وجودها الحاسم في ساحات الصراع الدولي، في حين أن أوروبا اليوم لم تعد ترى في أميركا الضامن الوحيد لأمنها، بل باتت تبحث عن بدائل أكثر واقعية، سواء عبر تعزيز قدراتها الذاتية أو من خلال تحالفات داخلية أكثر صلابة. ورغم الصمت المعتاد للتنين الأصفر، وما يبدو منه من تريّث في الملفات الدولية الأخطر، يمكننا التساؤل اليوم: هل نحن أمام إعادة رسم لخريطة التوازنات الجيوسياسية؟ هل هناك محور شرقي حقيقي يجد في لحظات الانفلات الذي يُضعف الولايات المتحدة فرصة لإبراز نفسه كقوة بديلة؟ وهل أوروبا باتت على يقين أن زمن الاعتماد المطلق على واشنطن قد ولّى، وأن المستقبل يفرض عليها تحمّل أعباء أمنها والدفاع عن مصالحها دون انتظار ما تقرره الإدارة الأميركية؟ أسئلة محورية ومصيرية، تشكّل الإجابة عنها مستقبل العالم في العقود القادمة.
في المحصلة، يمكن القول إن العالم يقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من الاستقطاب، حيث لم تعد الثنائية القطبية بين واشنطن وموسكو وحدها تحدد مسار الأحداث، بل دخلت قوى أخرى، في مقدمتها الصين، لتفرض معادلة أكثر تعقيدًا.
وبينما يسعى هذا المحور الشرقي لإعادة صياغة قواعد اللعبة الدولية، يجد الغرب نفسه أمام تحدٍّ وجودي يتمثّل في كيفية إعادة بناء الثقة داخليًا بين ضفتَي الأطلسي، وخارجيًا في مواجهة تحالفات لا تستند إلى قيم مشتركة، بل إلى تلاقي المصالح والغايات في تحدي الهيمنة الغربية.
* كاتب ومستشار قانوني