فرنسا مقبلة على أسابيع عصيبة

نشر في 08-09-2025
آخر تحديث 07-09-2025 | 18:44
 د. محمد أمين الميداني

سيلحظ كل متابعٍ للحياة السياسية الفرنسية، خصوصاً في العامين الماضيين، تعدُّد الأزمات التي مرَّت بها الحكومات الفرنسية المُتعاقبة، وموجة الإضرابات التي تعمُّ مختلف القطاعات.

بدأت الأزمات حين قام الرئيس الفرنسي بحل الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) في 9 يونيو 2024، عشية اليوم الذي أعلنت فيه نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، والتي أسفرت عن وصول 30 نائباً من اليمين المتطرف الفرنسي إلى مقاعد هذا البرلمان من أصل 81 نائباً فرنسياً.

استغربت الغالبية العظمى من المحللين والصحافيين حل هذه الجمعية، والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة. وكان واضحاً أن وصول اليمين المتطرف الفرنسي كان مؤشراً على صعوده في الحياة السياسية الفرنسية، وميل عددٍ لا بأس به من المواطنين الفرنسيين لهذا الحزب، لكن لم يكن ضرورياً حل الجمعية الوطنية.

وأسفرت نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية، التي أُعلنت في 7 يوليو 2024، عن وصول 88 نائباً من اليمين المتطرف الفرنسي إلى الجمعية الوطنية من أصل 577 نائباً فيها، وهو تقريباً نفس عددهم، وكان 87 نائباً، بعد الانتخابات التشريعية عام 2022. وأثبت مجدداً اليمن المتطرف وجوده على المستوى السياسي الوطني، بعد أن أثبت وجوده على المستوى الأوروبي. ولم ينجح حل الجمعية الوطنية والدعوة لانتخابات تشريعية في زعزعة مكانته وطنياً، مما يعني أن الدعوة لانتخابات تشريعية جديدة جرت عكس ما كان يعوِّل عليه الرئيس الفرنسي، بتقليص حجمه ونفوذه داخلياً، بعد نجاحه على المستوى الأوروبي.

جاءت بعدها مشكلة اختيار رئيس للوزراء بعد الانتخابات التشريعية الجديدة، حيث لم يكن هناك أغلبية مُطلقة لأي من الأحزاب السياسية في الجمعية الوطنية. كان رئيس الجمهورية حراً، فكان أن اختار ميشيل بارنييه، الذي شغل عدة مناصب حكومية فرنسية وفي مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وكان مكلفاً التفاوض مع المملكة المتحدة لتنظيم خروجها وعلاقاتها المستقبلية مع الاتحاد.

كانت ميزانية الدولة الفرنسية والديون التي عليها المعضلة الرئيسية التي واجهها رئيس الوزراء، واقترح قانوناً مالياً لميزانية الضمان الاجتماعي، وعلَّق مصير حكومته على هذا القانون، إلا أن الجمعية الوطنية صوَّتت بالأغلبية ضد هذا القانون في 2 ديسمبر 2024، مما نتج عنه سقوط الحكومة الفرنسية، عملاً بالمادة 49.3 من الدستور الفرنسي.

وبدأت معضلة جديدة للرئيس الفرنسي، وهي إيجاد رئيس وزراء قادر على اعتماد ميزانية جديدة، واتخاذ إجراءات لتخفيف الديون العامة. ووقع اختياره على فرانسوا بايرو، الذي سيقدم اليوم مشروعاً جديداً للميزانية العامة الفرنسية، وسيعلق هو الآخر مصير حكومته على تصويت الجمعية الوطنية، وإذا صوَّتت ضد هذا المشروع، فسيؤدي ذلك إلى سقوط حكومته.

​لا يمكن إغفال هذه الأحداث السياسية التي وقعت في فرنسا منذ الانتخابات الأوروبية الأخيرة في العام الماضي، والانتخابات التشريعية وتشكيل الوزارات في فترات زمنية قصيرة، ويكفي أن نذكر ومن بين المؤشرات السلبية تشكيل 5 وزارات خلال عامين.

كما ستبدأ سلسلة إضرابات ومظاهرات جديدة في فرنسا اعتباراً من بعد غد، وسنرى محاولات جديدة لاختيار رئيس وزراء جديد إذا سقطت الوزارة الحالية، وهو ما ترجحه كل التحليلات والمؤشرات، فقادم الأسابيع سيكون عصيباً على الجمهورية الفرنسية وشعبها.

* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا

back to top