نادي الاستقلال... مدرسة النضال الوطني في الكويت

نشر في 07-09-2025
آخر تحديث 06-09-2025 | 17:36
 ضاري المير

نادي الاستقلال لم يكن مجرَّد نادٍ اجتماعي أو رياضي، بل كان مركزاً فكرياً وسياسياً مهماً في تاريخ الكويت الحديث. تأسس في خمسينيات القرن الماضي، وسط أجواء سياسية إقليمية مضطربة، حيث كانت المنطقة العربية تشهد موجة صعود الحركات القومية، ومطالب الاستقلال والتحرُّر من الاستعمار.

جاءت فكرة تأسيس النادي ليكون ملتقى للنُّخب المثقفة والناشطين السياسيين، وليحمل اسم «الاستقلال» تعبيراً واضحاً عن الروح الوطنية التحررية التي كانت تسري في وجدان أبناء الكويت، وتحديداً الجيل الذي عاش مرحلة ما قبل الدستور.

كان نادي الاستقلال بمنزلة منبر فكري وثقافي يجتمع فيه السياسيون والمثقفون والشباب المتطلعون إلى التغيير.

لم يكن مجرَّد نادٍ اجتماعي عادي، بل كان فضاءً لتداول الأفكار الوطنية والقومية، ومنه خرجت العديد من المبادرات الوطنية التي ساهمت في تشكيل الحركة السياسية بالكويت.

النادي كان مسرحاً للمحاضرات والندوات التي ناقشت قضايا التحرُّر العربي، والقضية الفلسطينية، والعدالة الاجتماعية، والديموقراطية.

وفي وقتٍ لم يكن النشاط السياسي مفتوحاً بشكلٍ كامل، لعب النادي دوراً في خلق وعي سياسي عميق لدى الشباب الكويتيين.

ومع صعود نفوذ النادي وتأثيره، أصبح مصدر قلقٍ للسُّلطات، خصوصاً مع تزايد نشاطه في دعم التيارات القومية، وانتقاده لبعض السياسات الحكومية.

تعرَّض النادي لحملات تضييق متكررة انتهت بقرار إغلاقه عام 1977. إغلاق النادي لم يكن مجرَّد إجراء إداري، بل كان تعبيراً عن الصراع بين تيار وطني ديموقراطي يسعى إلى ترسيخ المشاركة الشعبية، وسُلطة تخشى تصاعد الخطاب السياسي الحُر. ومع ذلك، ظل النادي رمزاً راسخاً في ذاكرة الحركة الوطنية.

وخرج من نادي الاستقلال جيلٌ من القادة الذين تركوا بصمتهم في الحياة السياسية والفكرية بالكويت: د. أحمد الخطيب: الأب الروحي للحركة الوطنية والقومية. عبدالله النيباري: السياسي المخضرم، وأحد أقطاب المعارضة. جاسم القطامي: الرمز المُدافع عن الحُريات. سامي المنيس: الصحافي والسياسي المُدافع عن الديموقراطية. ناصر الفرج: من الشخصيات البارزة في صياغة خطاب الحركة الوطنية. محمد الغربللي: الكاتب والصحافي الذي أوصل رسالة النادي إلى الجمهور. عبدالله السبيعي: من الكوادر القيادية في التنظيم والعمل السياسي. أحمد النفيسي: رمز للإخلاص الوطني وصلابة الموقف. هؤلاء شكَّلوا معاً مدرسة سياسية متكاملة، جمعت بين الفكر والعمل الميداني، ورسخت مبادئ الحُرية والعدالة والمشاركة الشعبية، مما جعل نادي الاستقلال رمزاً خالداً في تاريخ الكويت السياسي.

وعلى الرغم من مرور عقود على إغلاق النادي، فإن إرثه الفكري والسياسي لا يزال حاضراً. فقد كان له دور أساسي في صياغة وعي سياسي مبكِّر بالكويت، وكان منطلقاً للحركات السياسية التي تشكَّلت لاحقاً، مثل المنبر الديموقراطي الكويتي، والتيارات القومية واليسارية.

نادي الاستقلال يمثل نموذجاً لما يمكن أن تقدمه المؤسسات المدنية الحُرة من أثرٍ عميق في الحياة العامة. إنه شهادة على أن المجتمع المدني الواعي قادر على أن يكون مدرسة للوطنية والديموقراطية، حتى في ظل قيودٍ سياسية.

back to top