أول إذاعة كردية... للعرب!
في كتابه «محمد علي... الوجه الحقيقي لمؤسس مصر الحديث»، يقول المؤلف هشام خضر، مشيداً بمؤسس مصر الحديثة إنه «لم يكن مجرد والٍ ظل يحكم مصر طوال أربعة عقود من الزمان، أو مجرد حاكم تولى إدارة شؤونها إنصافاً لرغبة السلطان العثماني في الأستانة، بل كان - للإنصاف - زعيماً وقائداً قلّما تشهد له البلاد مثيلاً في نبوغه وعبقريته ودهائه وذكائه وشجاعته ومكره وطموحاته وأحلامه» (ص 3).
ومهما كانت المآخذ على حكم محمد علي باشا وشخصه، فإنه كان صاحب مشروع مفصلي في تاريخ مصر وباني مستقبلها وهازم أعدائها.
يؤكد أغلب المؤرخين - كما ذكرنا - الأصل الألباني أو الأرناؤوطي لمحمد علي، وهو ما يشكك فيه، بل وينفيه صاحب كتاب تاريخ الأكراد، د. محمد الصويركي، قائلا بل إن والي مصر وحاكمها فيما بعد كان من الكرد، وإن بعض أحفاد محمد علي باشا الكبير أكد ذلك، من خلال ما صرح لمجلة المصور المصرية عام 1949، قائلاً إن «أصل الأسرة العلوية، (أي أسرة محمد علي باشا)، الجد الأعلى للأسرة من ديار بكر في بلاد الأكراد.
ويقول الصويركي إن نجاح محمد علي باشا في مصر، واستقلاله عن الباب العالي، وقيام ولده إبراهيم باشا بالاستيلاء على بلاد الشام، وتهديده المباشر للخلافة العثمانية أيقظ الحس القومي عند الأكراد، فقامت بين الجانبين المصري والكردي تحالفات ضد الباب العالي، إذ ساعد المصريون الأكراد في بناء مصانع الأسلحة بـ «راوندوز».
ويتحدث المؤلف عن نشوء تحالفات بين بعض الأمراء مع إبراهيم باشا، ومنهم بدرخان، وكذلك بعض أمراء سوران، ونتيجة للتفاعل والتواصل المصري - الكردي، انطلقت البدايات الصحافية في كردستان! فقد أصدر «الأمراء البدرخانيون» المهاجرون من كردستان تركيا الى مصر، بعد ثوراتهم، أول صحيفة كردية في القاهرة تحمل اسم كردستان بتاريخ 22 أبريل 1898، وصار هذا اليوم عيدا للصحافة الكردية وحدثاً بارزاً في تاريخ الحياة الثقافية والاجتماعية الكردية المعاصرة.
وقد استمرت تصدر بالتعاون بين مدحت بدرخان وشقيقه عبدالرحمن بك، واستمرت هذه الجريدة في الصدور 31 عددا حتى 14 أبريل 1902.
والواقع أن هذه الجريدة - كما يقول - كانت حجر الأساس للصحافة القومية الكردية، وغدت المعبّرة عن أيديولوجية الحركة الكردية في نهاية القرن الـ 19 وبداية القرن الجديد، كما كتبت مقالاتها بلغة كردية جميلة سلسة وباللهجة «الكرمانجية الشمالية» لهجة جزيرة بوتان، وكانت تصدر نصف شهرية في أربع صفحات» (ص 241).
وصلت جريدة كردستان، كذلك، الى دمشق، ومنها الى المناطق الجنوبية، فقامت السلطات العثمانية بحظر توزيعها، فكانت ترسل أحياناً الى أوروبا للتوزيع على المغتربين الأكراد.
ومع مرور الوقت، طرح الأكراد فكرة إنشاء مطبعة باسم كردستان، نصبت في القاهرة بجوار جامع الأزهر، وتم فيها طبع العديد من الكتب الكردية، وأصبحت مصر في أواخر القرن 19 وبداية القرن العشرين موئل أحرار الكرد الهاربين من الاضطهاد العثماني.
كما كان للأكراد رواق في الأزهر الشريف خاص بهم، به مكتبة قيّمة يقال إن الأميرة الكردية خاتون خان الأيوبية وقفت ثروتها أو جانبا منها على المكتبة ورواق الأكراد.
واستقطبت النشاطات الكردية زمن الناصرية والتحركات العربية الثورية جانبا من نشاط الكرد.
ويقول الصويركي: حتى الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني (ت. 2017) طرد من المدرسة، لأنه شارك في التظاهرات المؤيدة لمصر عام 1956، كما خصص راديو القاهرة أول إذاعة كردية في التاريخ تبث لمدة ساعة في اليوم وموجهة الى منطقة كردستان باللغة الكردية.
وقد اضطر شاه إيران في الوقت ذاته أن يقيم إذاعة كردية في مدينة كرمنشاه، ليرد على الإذاعة الكردية في القاهرة، ولا ندري إن كانت من أوائل الإذاعات الفارسية بالكردية.
ومن الطرائف التي تقال حول الإذاعة الكردية في القاهرة أن السفير التركي في القاهرة احتج على فتحها في مصر، فاستدعاه الرئيس جمال عبدالناصر، وسأله: هل يوجد في تركيا أكراد؟ فاجابه السفير التركي بالإنكار: كلا.
وهنا قال له عبدالناصر بذكاء وباستنكار: فلم إذن هذا الاحتجاج من قبلكم؟
ويقول الصويركي إن «هذه الإذاعة الكردية عاشت مدة عشر سنوات حتى بعد يونيو 1967، وأغلقت لأسباب اقتصادية حسبما أشيع».