الذكاء الاصطناعي في كتابة النصوص والتمثيل
نعيش اليوم في عالم يتسابق مع الزمن، ومع ثورة تكنولوجية غيّرت ملامح معظم جوانب الحياة، كان للذكاء الاصطناعي النصيب الأبرز فيها، فقد أصبح حاضراً في قطاعات متعددة، ولم يكن المسرح والفن الدرامي بمعزل عن هذه الموجة، بل دخل بقوة إلى النقاشات والحوارات والمؤتمرات حول دوره في المستقبل.
المسرح والدراما، بكل تنوعها من مسلسلات وأفلام وعروض مسرحية وإذاعية، بدأت تستكشف كيف يمكن الاستفادة من هذه التكنولوجيا الجديدة، ليس فقط كأداة تقنية، بل كشريك إبداعي قادر على تقديم مقترحات وابتكارات تضيف قيمة فنية.
ومن النماذج اللافتة مشروع CO-OPERA، الذي ظهر عام 2025، بمبادرة من باحثين أميركيين. يهدف المشروع إلى دعم الكتابة المسرحية، خصوصاً التربوية منها، عبر أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تساعد الكتّاب على تحسين البناء السردي وتنسيق الخطوط العامة للنصوص. وقد أظهرت التجارب نتائج إيجابية في هذا الجانب.
كذلك نشرت مجلة Nature في 2025 دراسة مثيرة قارنت نصاً كتبه إنسان بآخر أنتجه الذكاء الاصطناعي. النتيجة أوضحت تفوق النص البشري من حيث الأصالة وغنى الأفكار، لكن النص الاصطناعي اقترب بدرجة كبيرة من الأداء البشري في البناء السردي والتعددية الدلالية، مما يكشف عن إمكانيات مستقبلية واعدة.
أما في مجال الارتجال فقد لمع اسم Improbotics كتجربة مبتكرة تمزج بين الممثلين والبوتات اللغوية، حيث يتلقى الممثلون جملاً عبر سماعات أثناء العرض من خوارزميات ذكية، ويؤدونها مباشرة على الخشبة. المدهش أن الجمهور لم يتمكن في بعض الأحيان من التفريق بين ما هو بشري وما هو آلي، وهو ما يفتح الباب أمام نوع جديد من التفاعل المسرحي.
السينوغرافيا، بوصفها العمود الفقري للتصميم البصري والسمعي في المسرح، وجدت هي الأخرى مساحة واسعة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، فقد وظّف البروفيسور مايكل راو من جامعة ستانفورد تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحويل البث الحي لعروض مسرحية إلى صور بصرية تُعرض كأنها أحلام مرئية، مما أضاف بعداً جمالياً جديداً للعرض.
كما ظهرت مبادرات أخرى، ففي جامعة كاليفورنيا – لوس أنجلس طُورت أنظمة لتحديد المخارج والأجسام على الخشبة، بينما في جامعة أيداهو أنشأت طالبة تطبيقاً يعتمد على الأوامر الصوتية لتصميم مشاهد مسرحية بشكل مباشر.
الجامعات بدورها لعبت دوراً أساسياً في تعزيز هذا التوجه، ففي جامعة شيكاغو تعاون العلماء والفنانون على إنتاج عروض تجمع بين العلم والفن باستخدام الذكاء الاصطناعي. أما جامعة ليهاي في بنسلفانيا فأطلقت عام 2023 مقرراً بعنوان «Can AI Make Art» لتدريس دور الذكاء الاصطناعي في المسرح والفنون، ضمن رؤية تعليمية متعددة التخصصات.
الخاتمة
من الواضح أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تقنية، بل تحول إلى شريك إبداعي في المسرح والفن. ورغم أن التجارب لا تزال في بداياتها، إلا أنها منحت المسرحيين والمبدعين محفزاً كبيراً للانفتاح على إمكانيات جديدة، سواء في الكتابة أو التمثيل أو الإخراج أو السينوغرافيا.
إنه عصر مختلف يفرض علينا إعادة النظر في حدود الإبداع البشري، وكيف يمكن أن يتكامل مع الذكاء الاصطناعي ليمنح المسرح حياة جديدة، أكثر ثراءً وجرأة وانفتاحاً على المستقبل.