أوقات الفراغ

نشر في 05-09-2025
آخر تحديث 04-09-2025 | 16:55
 د. محمد لطفـي

عزيزي كبير القدر، ناضج الفكر، إنَّ أخطر ما يملكه الإنسان هو عمره، وأغلى ما يتسرب منه دون أن يشعر هو وقته. غير أنني إذا جلت ببصري في المقاهي والأندية، ألفيت الساعات تذوب بين أنامل لاعب نرد، وتذخر في دخان «شيشة» لا تُغني ولا تسمن، وتتناثر في أحاديث فارغة لا تُسجَّل في ذاكرة، ولا تترك أثراً في ضمير. ذلك الفراغ الذي جعله الله نعمة، إذا أحسنَّا استثماره، صار نقمة إذا بددناه فيما لا طائل تحته. هو امتحان الإرادة، فإمَّا أن نجعله جسراً إلى معرفة أرفع، أو صحة أصلب، أو خدمة أنفع، وإمَّا أن ندعه مستنقعاً نغرق فيه بلا مقاومة. ما أقصر العمر! وما أسرع ما يتفلت من بين أصابعنا! فإذا فرَّطنا في فراغنا ضاع عملنا، وضاع مستقبلنا، وضاعت معنا أوطاننا. لذلك علينا توجيه الفراغ ابتداءً من إدارات التوظيف في الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة، فعلى سبيل المثال يمكن لإدارات الموارد البشرية أن تبدأ بتقليل ساعات العمل اليومي للأشخاص بعد سن الخامسة والخمسين ساعة يومياً كل سنتين، وأن تزيد إجازته يوماً كل سنة، وأن يسمح له بتمديد دوامه إلى السبعين إذا كانت صحته جيدة للعمل، ومركزه مفيداً لدائرته أو شركته، ورغبته في المثابرة متوافرة، وأن ينتقل إلى العمل كاستشاري في حل مشاكل استثنائية تعترض العمل، أو في إرشاده لزملائه الجدد وللأقل خبرة، أو في ابتكار وسائل جديدة تساهم في تطوير الإنتاج وسرعته... ثم إن زيادة وقت فراغه ستساعده في مزاولة هواياته وتطبيقاتها والتي قد تفيده في متعته وتحسين دخله وعلاقته بأسرته واهتمامه بصحته واقترابه من ربه، إن أحسنَّا توجيه المواطنين في مجتمعهم.

على هذا النسق سيكون ذلك هو المورد الذي يضاعف ثمار حياتهم، وهو الفرصة التي تفتح أمامهم أبواب الإبداع والارتقاء لهم ولوطنهم... وفي الختام استغلوا وقتكم ولا تجعلوه فقط ملعب نرد وورق لعب، أو حديثاً فارغاً في مقهى، بل اجعلوه حديقة تُثمر، وزاداً يُغني، ونوراً يهدي... ولكم مني أسمى التمنيات بحياة أفضل.

back to top