خذّل عنّا... لا بنا!

نشر في 05-09-2025
آخر تحديث 04-09-2025 | 16:50
 د. محمد عبدالرحمن العقيل

إن من أخطر وأمكر الطرق الفتّاكة التي يمارسها الأعداء علينا (التخذيل)، فهم أساتذة في زرع الجواسيس وإثارة الفتن والإيقاع بين الطوائف والشعوب.

ومن اللافت للانتباه أننا لا نمارس حقنا في الردّ بالمثل، بنفس مستواهم المتقدم! وهذا حق مشروع «فالحرب خدعة»، فقد أنقذ الله المسلمين من الهلاك في غزوة الأحزاب برجل واحد! عرف كيف يحبط همّة الأعداء ويوقع بينهم الشك والريبة... وإليكم القصة:

في غزوة الأحزاب، أطبقت جموع الكفار على المدينة، وتعاقدوا وتعاهدوا على استئصال الرسول ﷺ والصحابة، وضاقت بالمسلمين السُّبل، وبلغت القلوب الحناجر فزعاً واضطراباً، وكانوا في أسوأ حالاتهم، حصار عسكري خانق وخوف شديد وقلق وشح في الأكل والغذاء.

وفي هذا الظرف العصيب ومع شدة ضعف المسلمين وضيقهم، ألقى الله سبحانه وتعالى في قلب نعيم بن مسعود الأشجعي نور الإيمان، في وقت لا يكاد يُتصوَّر أن يُسلم فيه أحد! كان ذلك بعد مرور شهر من الحصار، وكانت الغلبة والسيطرة للأحزاب، وكان من المتوقع أن ينهار المسلمون في أي لحظة، خاصة بعد خيانة اليهود، فكيف كان له أن يترك جيشه القوي، لينضم إلى الجيش الضعيف المهدد بالهلاك؟! وقد كان، رضي الله عنه، رجلاً وجيهاً في قومه، صاحب مكانة بين غطفان وقريش وبني قريظة، يُعرف بذكائه وحُسْن تدبيره، عاش في الجاهلية صديقاً لبني قريظة ونديماً في مجالسهم.

انسلّ نعيم من معسكر الأحزاب في أول الليل، وجاء إلى النبي ﷺ، فقال: «يا رسول الله... إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمُرني بما شئت».

فقال له النبي ﷺ: «إنَّما أنتَ فينا رجلٌ واحدٌ، فخذِّلْ عنَّا إنِ استطَعْتَ، فإنَّ الحرب خدعة».. (هنا ندرك أهمية حرب التخذيل).

وهنا أعمل نعيم دهاءه، فانطلق أولاً إلى بني قريظة، وأظهر لهم وُدّه القديم، وقال: «إن قريشاً وغطفان إن طال القتال تركوكم وحدكم، فاطلبوا منهم رهائن من أشرافهم ضماناً لثباتهم»، فوافقوه.

ثم مضى إلى قريش وغطفان، فقال: «إن يهود بني قريظة قد ندموا على قتال محمد، وسيطلبون منكم رهائن ليسلموهم له، ليثبتوا صدقهم للرجل، فلا تعطوهم أحداً»، فصدّقوه لمكانته عندهم.

فلما طلبت قريظة الرهائن امتنعت قريش وغطفان، وقالوا فيما بينهم «صدق نعيم»، واشتعل الشك بين الأحزاب، حتى تفرّق جمعهم وتصدَّع حلفهم.

وفي تلك اللحظة بعث الله ريحاً قاسية شديدة البرودة على معسكر الكافرين، لم تترك لهم خيمة إلا قلعتها، ولا قدراً إلا قلبته، ولا ناراً إلا أطفأتها، فاضطربت جموع الأحزاب وقرروا الرحيل، ولم يفكّروا بالصمود، خصوصاً بعدما دبّ الشك والخذلان في تحالفهم.

عزيزي القارئ... نحن في حالة حرب مع اليهود - والكلمة سلاح - فلا تستهن بأي كلمة تقولها في هذا الوقت العصيب، فإنك لا تدري إلي أين قد تصل؟!

back to top