«خالد الجارالله... رجل الدولة الهادئ» إصدار يرصد مشوار الدبلوماسية الراقية
• التلميذ الوفي لأمير الإنسانية الراحل الشيخ صباح الأحمد
يختزل إصدار «خالد سليمان الجارالله رجل الدولة الهادئ»، مشوار الراحل نائب وزير الخارجية الأسبق، السفير خالد الجارالله متتبعاً مراحل مهمة في حياته، حيث اعتبر أن الراحل كان عنواناً للدبلوماسية الراقية، ورمزاً للوفاء، وأباً في حضوره وإنسانيته، مشيراً إلى أنه كان يُؤثر خدمة وطنه في كل الأحوال، ويتسم بالقيادة التي ترتكز على الغاية والرقي.
وجاء الإصدار باللغتين العربية والإنكليزية، متضمناً صوراً نادرة، إضافة إلى بعض شهادات الرجال الذين زاملوه خلال عمله.
وفي التقديم للإصدار، يكتب نجله باسل الجارالله كلمات مليئة بالفخر والاعتزاز تحت عنوان «الحازم الباسل»، ويشير إلى أن والده الراحل كان بمثابة مدرسة تلقّى منها القيم والمبادئ النبيلة، ويقول ضمن هذا الإطار: «أي شرف منحني الله أن أكون ابناً لرجل عاش وطنه بكل تفاصيله، وأهدى له عمراً من الإخلاص والتفاني، حتى صار اسمه مرادفاً للوفاء والعطاء. نشأت في كنف والد استثنائي، أحب عمله وأتقن صنعته، وتفانى عقوداً طويلة في خدمة وطنه، كبرت وأنا ألمس دبلوماسيته المعهودة ونبوغه الملموس في تفاصيل حياتي، تعلمت من مدرسته قيماً ومبادئ ستبقى راسخة في وجداني: النزاهة، والأمانة، وحفظ السر، والتواضع، ولين الجانب، وحسن الاستماع قبل القول».
بعض الصور المنشورة في الكتاب
مدرسة صباح الأحمد
وحول سمات والده، أكد أنه راقب بإعجاب علاقاته الواسعة وصداقاته الممتدة في مختلف دول العالم، «فقد كان دبلوماسياً عتيداً حمل حب الكويت في قلبه، وحرص على تقديم صورتها بأبهى حلة أينما حلّ. كنت أتعلم منه الكثير في تعامله مع الإعلام، وفي اختياره الدقيق لكل كلمة، وفي حضوره المميز في احتفالات السفارات والمناسبات الرسمية».
وأضاف: «كان قارئاً نهماً، وشغوفاً بأخبار العالم وسير القادة، متأملاً لتجارب التاريخ، تلميذاً وفياً لمدرسة مؤسس الدبلوماسية الكويتية الحديثة أمير الإنسانية، سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، ونهل من علم الراحل عبدالرحمن العتيقي، واستوعب التحديات بعقل حكيم ونظر بعيد. كان صارماً من دون تسلط، وليناً بلا ضعف، عازماً على ترك بصمةٍ تُشبه روحه النقية وفضوله اللامحدود في صفحات تاريخ الكويت».
ذاكرة وطندبلوماسي عتيد حمل حب الكويت في قلبه وحرص على تقديم صورتها بأبهى حلّة أينما حلّ
عن الرحيل قال باسل الجارالله: «حين رحل والدي، ولم يرحل وحده، بل رحل ومعه روايات وذكريات ومواقف، تروي حجم الأثر الذي تركه في قلوب من عرفوه. لم يكن مجرد دبلوماسي قدم للكويت خدماته، بل كان ذاكرة وطن، عاش أحداثه، وساهم في صناعتها، وكان حاضراً حيثما احتاجه بلده. شاء الله أن يختار له أجمل الختام، في بيت من بيوته، وفي أيام مباركة، وبين صلاة ودعاء. وإن كان فقده مؤلماً، فقد خفّف عني هذا الحب الجارف الذي رأيته في عيون المشيعين، وفي رسائل العزاء التي لم تتوقف، وفي المواقف التي لم أكن أعرف عنها شيئاً حتى بعد رحيله».
بعض الصور المنشورة في الكتاب
القوة والوفاء
ويستطرد في الحديث عن الأثر الذي تركه والده لدى الأصدقاء والمقربين والذين زاملوه في العمل: «تلقيت رسائل من أشخاص لم أقابلهم يوماً، يخبرونني عن مواقف عظيمة كان لهم فيها سنداً، ومن آخرين يروون لي قصصاً عن دبلوماسيته وعن كلماته التي صنعت فارقاً في حياتهم، وعن نصيحة قالها في لحظة صدق فكانت سبباً في قرار مصيري، وعن مبادرات للخير كان يحرص على أن تبقى في الخفاء بعضهم اعتمر عن والدي، وبعضهم حفر له بئراً، وآخرون بنوا مسجداً أو داراً لتحفيظ القرآن، وكأنهم جميعاً أرادوا أن يردوا جزءاً مما قدمه لهم».
وتابع «اليوم، أدركت أن الرجال العظماء لا يرحلون حقاً، بل يبقون خالدين في أثرهم، كما كان خالد الجارالله خالداً في القلوب التي أحبته والدعوات التي ترفع له، والسير التي تُحكى عنه. رحمك الله يا أبا حازم، كنت حازماً في مواقفك، باسلاً في عطائك، وستبقى سيرتك عنواناً للقوة والوفاء، وشاهداً على رجل عاش شهماً ورحل عزيزاً».
تأثير عميق
ويستعرض الإصدار مسيرة الراحل الطويلة، يقول:»في كل جيل، يولد رجال قلائل لا يكتبون التاريخ بالكلمات، بل يخطونه بالمواقف، لا يرفعون أصواتهم، بل يرفعون الأوطان بثباتهم ولا يسعون خلف الأضواء، بل يتركون أثراً يبقى حتى بعد أن يختفي وهج اللحظة. كان الراحل واحداً من أولئك الرجال. رجل لم تعرف قيمته في المناصب التي تقلدها، ولا في التصريحات التي ألقاها، بل في حضوره الصامت، وتأثيره العميق، وإخلاصه الذي لا يعرف المساومة، كان يخدم دولة الكويت كما يؤدي القسم، لا مجاملة، ولا انتظاراً لثناء، بل بدافع من الإيمان العميق بأن خدمة الوطن شرف لا يعلوه شرف».
الإصدار جاء باللغتين العربية والإنكليزية متضمناً صوراً نادرة للراحل في مراحل مختلفة من حياته
صوت متزن
ويتابع الكتاب عبر صفحاته استذكار مناقب الراحل وتمرسه في عمله، ويصف ما تركه الراحل بأنه إرث لا يُقاس بعدد السنوات، بل بوزن المبادئ التي حملها في قلبه، وبالاحترام الذي فرضه حضوره على من عرفوه.
لقد اختار طريق الهدوء، لكنه ترك خلفه صوتاً لا ينسى. على مدى أكثر من خمس عقود، كان واحداً من أكثر الدبلوماسيين ثقة في تاريخ الكويت، في أوقات الأزمات الوطنية، كان حاضراً، في لحظات التفاوض الدقيقة، كان حاضراً، وفي العمل اليومي الهادئ للدبلوماسية، حيث تبنى النجاحات على السمعة والثقة والصبر، كان دائماً حاضراً. يد ثابتة، صوت متزن، وسند أمين لوطنه.
دور محوريكان قارئاً نهماً ولديه شغف بأخبار العالم وسِيَر القادة متأملاً لتجارب التاريخ
الكتاب لا يتناول سجله المهني فحسب، بل يتناول أيضاً الإنسان الذي كان خلف ذلك السجل، الأب الذي علم بأفعاله، والزميل الذي كان يصغي أكثر مما يتحدث، والصديق الذي لم يهتز ولاؤه أبداً.
يتتبع كل فصل من هذا الكتاب جزءاً من رحلته من أيام شبابه في مدينة الكويت، إلى دوره المحوري في لحظات شكلت مصير البلاد. وسيتخلل السرد صوت من عرفوه حقاً من زملاء، وأهل، وأصدقاء، يحمل كل منهم ذاكرته الخاصة، يفتح من خلالها نافذة على شخصيته، ويُسلّط الضوء على أثره العميق وإرثه الباقي.
ويشير الإصدار إلى أن خالد الجارالله ولد في مدينة الكويت عام 1947، في وقت كانت البلاد تستعد لكتابة فصل جديد من الاستقلال والنمو وتكوين الهوية.
قد كانت الأجواء في الكويت آنذاك مشبعة بمزيج من التقاليد والتحول مكان تتمسك فيه العائلات بقيمها، وينقل فيه الكبار حكايات الصمود، ويبدأ فيه فتى صغير بتخيل موقعه في عالم أوسع من محيطه. نشأ في منزل زرع فيه بهدوء الفضائل التي ستصبح لاحقاً من أبرز ملامح شخصيته: الكرامة، الصبر، النزاهة، والتحفظ.
بعض الصور المنشورة في الكتاب
الخدمة العامة
منذ صغره، كان منصتاً للناس، للصمت، للتفاصيل، حتى في طفولته، كان يحمل سكوناً داخلياً عميقاً، سمة أصبحت لاحقاً من أبرز قوته في عالم الدبلوماسية.
لم يكن صوته مرتفعاً، لم يكن متعجلاً، لكنه كان دائماً حاضراً. بعد أن أكمل تعليمه المدرسي في الكويت، التحق بجامعة الكويت حيث تخصص في العلوم السياسية، كان هذا الاختيار طبيعياً، فقد انجذب إلى مفاهيم الحوكمة، والعلاقات الدولية، وفن التفاوض الدقيق.
وبينما اختار كثير من زملائه مجالات كالهندسة أو التجارة، اتجه هو نحو الخدمة العامة، وربما ليس بدافع الطموح، بل بدافع الغاية.
شكلت سنوات دراسته الجامعية مرحلة محورية في حياته، فقد منحته اللغة والأدوات الفكرية التي مكنته من التعبير عما كان يشعر به في داخله: أن قوة الدولة لا تقاس فقط باقتصادها أو جيشها، بل بالمبادئ التي تؤمن بها، وبالناس المستعدين للدفاع عنها. حتى قبل أن تُسند إليه أي مسؤولية، كان خالد الجارالله يُهيئ نفسه لخدمة الوطن.
مسيرتهفي أرقام
• ١٩٤٧: ولد خالد الجارالله في مدينة الكويت.
• أوائل السبعينيات: التحق بوزارة الخارجية بعد تخرّجه في جامعة الكويت بتخصص العلوم السياسية.
• السبعينيات: بدأ مسيرته الدبلوماسية، عيّن في سفارة الكويت في بيروت، لبنان.
• ١٩٧٤- ١٩٨٧: تم تعيينه رئيساً لإدارة العلاقات العربية.
• أواخر الثمانينيات شغل منصب مدير شؤون مجلس التعاون الخليجي ثم وكيل وزارة الخارجية.
• ۱۹۹۰: الغزو العراقي للكويت - تنسيق السياسة الخارجية للحكومة من المنفى في الطائف، السعودية.
• ۱۹۹۱ - ۱۹۹۹: تحرير الكويت في شهر فبراير. شارك في استعادة العلاقات الدبلوماسية: إعادة الأسرى والمفقودين، ترسيم الحدود مع العراق تحت قرار مجلس الأمن رقم 833، وإعادة تأكيد مكانة الكويت على الساحة الدولية.
• ١٩٩٩: تم تعيينه نائباً لوزير الخارجية.
• ۲۰۰۰: عمل على الاستقرار الإقليمي، وشغل منصب رئيس مجلس السلك الدبلوماسي والقنصلي، وشارك في أعمال لجنة التعويضات التابعة للأمم المتحدة.
• 2013 - 2015 قاد ثلاثة مؤتمرات دولية للمانحين في الكويت لدعم الوضع الإنساني في سورية.
• ٢٠١٦: أكد التزام الكويت بمتابعة قضية اختطاف طائرة الجابرية.
• ۲۰۱۷ كان له دور محوري في جهود الوساطة الكويتية خلال الأزمة الخليجية بين قطر ودول الخليج الأخرى.
• ۲۰۱۸ قاد مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار العراق.
• ۲۰۱۸: حصل على وسام نجمة القدس من دولة فلسطين.
• ۲۰۲۰ شغل منصب نائب رئيس فريق العمل الوطني لإجلاء المواطنين الكويتيين خلال جائحة كورونا.
• ۲۰۲۱: تقاعد بعد أكثر من ٥٠ عاماً من الخدمة الدبلوماسية، منها ٢٢ عاماً نائب وزير.
• ٢٠٢١: توفي خلال شهر رمضان المبارك عن عمر يناهز 78 عاماً.