الطمأنينة في قلب الوحشة

نشر في 04-09-2025
آخر تحديث 03-09-2025 | 17:33
 د. محمد لطفـي

اللوحة التي أمامنا تبدو كأنها مشهد حُلِمَ به أكثر مما هو واقع، فهي لوحة تجمع بين جمال الطبيعة ودفء المأوى الإنساني.

كوخ خشبي صغير يتوسط الغابة، يضيء من داخله نور أصفر وديع كأنّه قلب نابض بالحياة وسط سكون الطبيعة. سقفه المائل المُغطى بخشب قديم، ومدخنته التي يعلوها أثر الدخان، توحي الدفء والسكينة، وكأن في داخله موقداً يروي برد الليل. كوخٌ صغير يشبه الحلم، تضيئه نافذة وحيدة كعينٍ تسهر على قلبٍ غريب.

يمتد أمامه جدول ماء صافٍ، ينساب بين الصخور ويمتد كخيط من الموسيقى الهادئة، يحمل انعكاس النور من نافذة الكوخ، وكأنه يشارك في حفظ أسرار المكان. الأشجار المحيطة به بألوانها الخريفية، تتماوج بين الأصفر والبرتقالي والبني، لتمنح المشهد هالة من الشجن الدافئ تغزل وشاحاً من حنين.

وفي الخلفية، ترتفع الجبال شامخةً، مكسوةً بضباب الفجر أو غيوم الغروب، فتضفي على المشهد مهابة وسموًا، كأنها حراس أبديون لهذا الملاذ الصغير.

جبالٌ ترتفع كصلواتٍ صامتة، تحرس عزلة الكوخ وتبارك سكينة المكان..

إنها لوحة تجمع بين العزلة والسكينة، بين قسوة الطبيعة وحنانها، وبين دفء البيت وبرودة الغابة.

إنها قصيدة بصرية عن معنى الطمأنينة في قلب الوحشة، وعن الجمال الذي يُولد حين يجتمع الإنسان بالطبيعة متصالحاً معها في وئام صامت، مصغياً لصمتها فيتجلى سرّ الطمأنينة، كأنّه موسيقى أبدية.

back to top