لقد التقينا بالعدو وهو ليس نحن

نشر في 03-09-2025
آخر تحديث 02-09-2025 | 19:09
 وول ستريت جورنال

انتشار الحرس الوطني في شوارع واشنطن أثار، بحق، غضب الديموقراطيين، لكنه في الحقيقة يرمز إلى ما هو أعمق من مجرَّد خطوة مرتبطة بحركة «ماغا» أو اعتداء جديد على الديموقراطية الأميركية. إنه يعكس اتجاهاً متصاعداً لدى الناشطين من مختلف الأطياف السياسية لاحتلال المؤسسات التي يرونها مُعادية لهم: «الدولة العميقة» عند البعض، وول ستريت عند آخرين. لم يكن هذا الهوس دائماً جزءاً من الحياة السياسية الأميركية، لكنه اليوم بات أشبه بالهوس الجامع. والسؤال: هل يكون الخطر الخارجي القادم من الصين هو ما يُعيد اللحمة المفقودة بين الأميركيين؟

تاريخياً، لم تكن السياسة الأميركية بهذا القدر من الانقسام. ففي معظم القرن العشرين، استمدَّت البلاد قوتها من تنوعها الفكري والاجتماعي. النازية دفعت أمةً من المهاجرين إلى بناء «ترسانة الديموقراطية»، والاتحاد السوفياتي أجبر الأميركيين، بمختلف مشاربهم، على الدفاع عن الحُرية. حتى هجمات 11 سبتمبر، التي كان يفترض أن توحِّد الصفوف، قادت لاحقاً إلى مزيدٍ من الانقسام. فحروب العراق وأفغانستان انتهت بكوارث، والأزمة المالية عام 2008 عرَّت النظام الاقتصادي، حين أنقذت الحكومة البنوك، فيما فقدت ملايين الأسر منازلها. عندها بدأ الأميركيون، يميناً ويساراً، ينظرون إلى مؤسساتهم الداخلية كخصوم لا كحلفاء.

هذا التحوُّل كانت له كُلفة باهظة. بحلول عام 2011، برز حراك «احتلوا وول ستريت» غاضباً من الرأسمالية، فيما تمدَّدت حركة الشاي اليمينية، حتى تحوَّلت لاحقاً إلى «ماغا»، وأحداث السادس من يناير. صحيح أن التظاهر في حديقة لا يشبه اقتحام الكونغرس وقتل رجال الشرطة، لكن القاسم المشترك كان شعوراً بأن الحلم الأميركي لم يعد قائماً، وأن القواعد العادلة التي وعدت بالصعود الاجتماعي قد انهارت.

وسط هذا الانقسام الداخلي، تبرز الصين كظلٍ ثقيل. التحدي الذي تطرحه بكين حقيقي وغير مسبوق: دولة بثلاثة أضعاف سكان الولايات المتحدة، مدفوعة باقتصاد متقدِّم، وتطمح بوضوح إلى انتزاع موقع القيادة العالمية من أميركا. الخطر ليس سؤال: مَنْ خسر الصين؟ بل: مَنْ خسر أمام الصين؟ ورغم ذلك، لم تعبِّئ واشنطن قواها بالكامل لمواجهة هذا التحدي.

الخطأ الأكبر أن الولايات المتحدة لم تعد تستثمر في نقاط قوتها الفريدة: جامعات بحثية رائدة، وقُدرة على استقطاب العقول المهاجرة، وأسواق مالية عميقة، وقطاع خاص مبتكر، واحترام طويل الأمد لسيادة القانون. بدلاً من ذلك، يتبنَّى الرئيس ترامب ما يمكن تسميته نسخة رخيصة من النموذج الصيني، عبر تدخل الدولة بشكلٍ مباشر في الشركات الكبرى: الاستثمار في «إنتل»، والسعي لتأميم «لوكهيد مارتن»، والحصول على حصص ذهبية في «نيبون ستيل»، وحتى اقتطاع نصيب من أرباح «نفيديا» و«إيه إم دي» أو عوائد براءات الاختراع. هذه المقاربة لا تعزز التنافسية الأميركية، بل تُضعف جوهر ما ميَّزها.

الأسوأ أن الأصوات المُدافعة عن الاستثنائية الأميركية جرى إخضاعها أو إخراسها، تاركة الساحة لخطابٍ سياسي مهووس بإسقاط الخصوم الداخليين، كما لو أننا نعيش نسخةً واقعية من «ألعاب الجوع». وبهذا الانشغال، مضت الصين في سباقها الاستراتيجي من دون أن تُثير الذعر الكافي في الداخل الأميركي.

وليس ذلك من قبيل الصدفة. فمنذ الأزمة المالية، توصَّل شي جينبينغ إلى قناعة بثلاثة أمور: أن أميركا لم تعد منافساً، بل أصبحت خصماً استراتيجياً، وأن بريق نظامها تلاشى بعد 2008، وأن مجتمعها منقسم أكثر من أن ينهض لمواجهة تحدٍّ خارجي. واليوم يستغل شي حالة الفوضى والانقسام التي يغذيها ترامب، ليصبَّها في رصيد بكين.

هذه هي ساعة الإنذار. إذا أردنا فعلاً أن ننتصر في العقود المقبلة، فعلينا أن نكف عن تقليد خصومنا، ونعود إلى ما جعلنا «المدينة المشرقة على التل». وكما يردد بيل كلينتون دائماً: من الخطأ أن تراهن ضد الشعب الأميركي على المدى الطويل. إن الطريق إلى «قرن أميركي ثانٍ» يبدأ باستعادة الثقة في استثنائيتنا وقُدرتنا على التوحد لمواجهة التحديات.

*رام إيمانويل ديموقراطي، شغل منصب ممثل الولايات المتحدة عن ولاية إلينوي (2003-2009)، ورئيس موظفي البيت الأبيض (2009-2010)، ورئيس بلدية شيكاغو (2011-2019) وسفير الولايات المتحدة لدى اليابان (2022-2025)

back to top