قانون المنظمات غير الحكومية الجديد في أوزبكستان: من الرقابة إلى الشراكة

نشر في 01-09-2025
آخر تحديث 31-08-2025 | 13:26
 إلدر تولياكوف

لطالما واجه المجتمع المدني، الذي يُعد العمود الفقري للديم، قراطية، الشكوك والعراقيل البيروقراطية والضغوط السياسية في العديد من الدول بعد الحقبة السوفيhتية. ولم تكن أوزبكستان استثناءً، لكنها اتخذت الآن خطوة حاسمة في الاتجاه المعاكس. فالقانون الجديد الشامل لا يهدف إلى تقييد المنظمات غير الحكومية، بل إلى حمايتها وتمكينها ودمجها في إطار الحكم الوطني، ما يمهد الطريق لمجتمع مدني أقوى وأكثر فعالية.

لسنوات، نصت تشريعات أوزبكستان على منع التدخل الحكومي في أنشطة المنظمات غير الحكومية، لكن الحظر كان بلا قوة تنفيذية.

يغير القانون الجديد هذا الواقع، إذ يفرض مسؤولية إدارية على المسؤولين العموميين الذين يعيقون أو يتدخلون بصورة غير قانونية في عمل المنظمات.

وستُطبق غرامات تصل إلى خمسة عشر ضعف معدل الحساب الأساسي للمخالفين، مع عقوبات أشد في حال تكرار المخالفة.

يشكل هذا تحولاً كبيراً، إذ ما زالت في كثير من دول المنطقة مسؤولية الامتثال تقع على عاتق المنظمات، بينما لا يواجه المسؤولون أية عواقب عن تجاوزاتهم. بالمقابل، ترسم أوزبكستان سابقة مهمة: فالسلطة نفسها أصبحت خاضعة للمساءلة عند تقويض المجتمع المدني.

كما يعزز القانون الرقابة العامة، إذ يتوجب على الوكالات الحكومية مراجعة التقارير والتوصيات الصادرة عن المنظمات غير الحكومية والرد عليها خلال شهر واحد، مع فرض عقوبات إدارية على المخالفين. هذا يحول دور المجتمع المدني من مجرد ممارسة رمزية إلى التزام قانوني، بما يقرب أوزبكستان من نماذج الحكم التشاركي الأوروبية.

وتهدف الإصلاحات أيضاً إلى تخفيف الإحباطات الطويلة الأمد للمنظمات نفسها، إذ تم تقليل العقوبات على المخالفات الإدارية البسيطة، مثل التأخر في التقارير أو عدم إخطار السلطات بالفعاليات أو استخدام رموز غير مسجلة. هذا التوجه من تهديد وجود المنظمة إلى التعامل مع المخالفات بعدل وتناسب يمنح المجتمع المدني شعوراً بالارتياح.

في الوقت نفسه، يعزز القانون الشفافية، إذ يُلزم المنظمات بالكشف عن استخدام الأموال والممتلكات العامة، سواء على مواقعها الرسمية، أو عبر وسائل الإعلام، أو المنصات الاجتماعية، بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية التي تبني الثقة بين المانحين والجمهور.

الرسالة واضحة: المنظمات غير الحكومية ليست خصوماً يجب مراقبتهم والتحكم بهم، بل شركاء في الحكم يجب أن يتمتعوا بالحرية مع الالتزام بالمساءلة.

يعكس القانون تحولاً أوسع في أوزبكستان منذ عام 2016، من نموذج مركزي يعتمد على الدولة إلى نظام أكثر شمولية يشارك فيه المواطنون والمجموعات المدنية في المسؤولية عن التنمية الوطنية.

بالنسبة للفاعلين المحليين، يتيح القانون مساحة أكبر للدفاع عن القضايا والابتكار ومساءلة الحكومة. أما بالنسبة للشركاء الدوليين، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي الذي جعل مشاركة المجتمع المدني ركيزة في علاقاته مع آسيا الوسطى، فيشير القانون إلى نية أوزبكستان الالتزام بالمعايير العالمية للحكم وتقديم نفسها كشريك موثوق ومصلح. كما يوفر القانون بيئة عمل أكثر شفافية وتوقعاً للمنظمات الدولية والمانحين، ويعزز شراكتهم مع الجهات المحلية.

بالمقارنة، تتجه العديد من دول أوراسيا في الاتجاه المعاكس، حيث تشدد القيود على المنظمات، خصوصاً ذات الصلات الدولية. ومن هنا تبرز أوزبكستان بنهجها المميز الذي يعترف بأن المجتمع المدني القوي ليس تهديداً للاستقرار، بل ضماناً له.

بالطبع، لا يشكل القانون حلاً سحرياً. فالتطبيق سيكون الاختبار الحقيقي، من خلال التأكد من تطبيق العقوبات على المسؤولين بعدل، وأن تكون إعلانات المنظمات متناسبة وسهلة الوصول، وأن تُسمع أصوات المجتمع المدني بفاعلية. وقد تواجه بعض التحديات في تطبيق العقوبات بشكل متسق، وضمان ألا تكون متطلبات الكشف مرهقة، وإيجاد آليات لمشاركة حقيقية للمجتمع المدني، لكنها لا تقلل من أهمية لتقدم الكبير الذي يمثله القانون.

إن اعتماد هذا القانون يمثل مرحلة تاريخية، إذ يرسل رسالة قوية مفادها أن عصر الشك تجاه المنظمات غير الحكومية في أوزبكستان أصبح يتلاشى لصالح عصر جديد من الشراكة والمساءلة والثقة المتبادلة.

*بقلم: إلدر تولياكوف، المدير التنفيذي لمركز استراتيجية التنمية في طشقند

back to top