رياح وأوتاد:النار ما تحرق إلا رجل واطيها
في الديوانية قال صديق: صحيح أن النار ما تلسع إلا رجل واطيها، قلت له: كيف؟ قال كنتُ لا أتفاعل مع آلام بعض مَن تغيّرت ظروفهم الحياتية والمالية في الآونة الأخيرة، حتى تم نقل ابني مع الهيئة التي يعمل فيها كاملة إلى وظيفة أخرى، وبناءً على هذا النقل تم إلغاء الكادر وتخفيض راتبه بمقدار 800 دينار، لأن الكوادر كانت خطأ ولكن إصلاحها كان مؤلماً، والله يعلم كم عانينا أنا ووالدته من الهمّ والقلق من هذا القرار، لأنه متزوج وعليه أقساط وإيجار شقة في منزل بجوارنا، فقررت أنا ووالدته مساعدته بمبلغ شهري من تقاعدنا، ومازلنا نتألم ليالي لألمه، كما قال الشاعر:
ولا يسهر الليل إلا مَن به ألمٌ
ولا تحرق النار إلا رجل واطيها
وإذا كانت هذه آلام مجموعة من الموظفين، فكيف هي آلام أهل غزة الذين فقدوا آباءهم وأبناءهم وبيوتهم وصحبتهم وكل معيشتهم؟
وإذا كان صديقي استطاع تخفيف آلام ابنه بشيء من ماله، فإن العالم بأسره لم يفعل أي شيء لتخفيف آلام أهل غزة، ورغم كل التعاطف والتظاهرات العارمة وبيانات الشجب والخطب الرنانة، فإن الجميع يذهب إلى بيته بعدها ويبقى أهل غزة في مخيماتهم يقتلهم الجوع والمرض وإهمال الدول العربية والإسلامية أو عجزهم عن مساعدتهم، ومع الأسف، يُسقِط بعض المسلمين عن أنفسهم عبء مشاركتهم آلامهم ومعاناتهم ومساعدتهم بإلقاء اللوم على حركة حماس، وترديد القول إنها هي التي تسببت في كارثة غزة بـ «عملية أكتوبر» غير المحسوبة النتائج، وهم بذلك يكررون ــ من دون قصد ــ الدعاية الصهيونية التي لم تقبل بها المحكمة الجنائية الدولية، لأن القضاء على فصيل أو تنظيم معيّن لا يبرّر إبادة شعب كامل وطرده من أرضه وتجويعه، وكان الواجب على هؤلاء إذا كانوا متعاطفين مع دماء المسلمين في غزة القيام بحملة إعلامية ومالية، ومقاطعة اقتصادية ضد الصهاينة، تطبيقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعذاب منه»، وقال أيضاً: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به» (صحيح الجامع).
كذلك أخبرني أحد أصدقائي من المدرسين البدون أنه وزملاءه البدون كُلّفوا بمراقبة الامتحانات للمرحلة الثانوية من دون مقابل، بينما يُصرف للوافدين مقابل مالي، وبغضّ النظر عن قيمة هذا المقابل، إلّا أن هذه التفرقة ــ إضافة إلى الضعف الكبير في الراتب ــ لها أثر مؤلم على النفس في الظروف المعيشية الحالية.
الخلاصة أن كثيراً من المسلمين في العالم يعانون آلاماً مختلفة تتعلق بالأمور الحياتية والمعيشية والتفرقة والتمييز والهوية، أو الجوع وبطش الصهاينة وحلفائهم من الدول الكبرى، فهل نشعر بآلامهم ونسعى لإنصافهم قبل أن تصل النار إلى أقدامنا في يوم من الأيام؟