مظاهر خطيرة تهدد الديموقراطية

نشر في 11-01-2023
آخر تحديث 10-01-2023 | 18:15
 د. محمد أمين الميداني

لا نجد تفسيراً لمظاهر لا نتردد في وصفها بالخطيرة، وخصوصاً إذا تكررت في بلدان متقاربة جغرافيا، ولا يفصل بينها إلا فترات زمنية قصيرة، وجاءت ردا على الأوضاع السياسية نفسها!

نقصد بالطبع ما حدث مؤخرا في البرازيل من اجتياح للقصر الرئاسي ومبنى الكونغرس وساحة المحكمة الفدرالية العليا في العاصمة برازيليا من قبل أنصار الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، وهو يذكرنا باجتياح أنصار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مبنى الكونغرس الأميركي.

لطالما تفاخرت العديد من البلدان الأوروبية والأميركية بديموقراطيتها، واستقلالية مؤسساتها، واحترام نتائج الانتخابات الرئاسية من قبل مواطنيها، واستمرار الحياة السياسية بوتيرة معهودة تكاد تكون روتينية لا تشوبها شائبة، لكن ما حدث في الولايات المتحدة الأميركية بعد الانتخابات الرئاسية عام 2021، وما يحدث هذه الأيام في البرازيل بعد الانتخابات الرئاسية نهاية العام الفائت، يطرح العديد من الأسئلة والاستفسارات بخصوص النظام الانتخابي وتقبله من المواطنين، واستمرار الحياة السياسية بسلاسة بعد الانتخابات الرئاسية.

وكان لافتا أن المعتدين على مبنى الكونغرس الأميركي، والبرلمان البرازيلي توشحوا بأعلامهم الوطنية وكأنهم أرادوا أن يجدوا مبرراً، أو أن يؤكدوا على أن ما يقومون به هو لمصلحة الوطن ومن أجل الوطن في الوقت الذي استخدموا فيه رمزا شريفا لوطنهم في اعتداءات وأعمال تخريب لطخت هذا الرمز، وقللت من قيمته!

ولسنا بحاجة إلى البحث مطولا لمعرفة أسباب هذه المظاهر، وأول ما يتبادر للأذهان هو عدم القبول بنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة سواء في الولايات المتحدة أو البرازيل، وصعوبة مغادرة منصب الرئاسة، وتسليمه لمرشح آخر، علما أن اختيار مرشح لشغل منصب رئيس الجمهورية في الأنظمة التي تعتمد النظام الجمهوري، لا يتعلق بشخص المرشح لهذا المنصب فقط، ولكن يعتمد أيضا على برنامجه الانتخابي ونجاحه أو إخفاقه في تنفيذه.

وإذا أردنا أن نفتش عن أسباب هذه المظاهر التي تهدد الحياة الديموقراطية وعملية الانتقال السلمي للسلطة، فلا بد أن نشير إلى الأدوار المشبوهة لكل الحركات والأحزاب المتطرفة من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، وإلى عمليات التحريض على العنف ومهاجمة رموز ديموقراطية كالبرلمان أو المحكمة العليا، والسعي لإضعاف مؤسسات الدولة كنوع من العبث والعدوانية.

ولكن أريد أن أضيف سببا مهما وأساسيا أيضا ألا وهو ضعف الوعي بالواجبات تجاه الوطن، وغياب حس المواطنة الذي يجب أن تتربى عليه الأجيال منذ الصغر، واختلال مفهوم الانتماء للوطن لدى العديد من المواطنين، وفي العديد من البلدان، إلى ترجيح المصالح والمنافع الشخصية على المصلحة العامة للوطن والمواطنين!

ويجب أن نؤكد هنا على أهمية أدوار البيت، والمدرسة، والجامعة في تعزيز حس المواطنة لدى الأجيال الناشئة، والتربية على الإخلاص للوطن ورموزه من دستور وعلم ومؤسسات ديموقراطية، وهو ما يجب السعي إليه وتحقيقه في بلداننا العربية.

* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا

back to top