نصيحة كلب
الكلب «برايان» هو إحدى شخصيات مسلسل «رجل العائلة Family Guy» الأميركي، فائق الشهرة والنجاح والجرأة. يقول برايان ما لا يجرؤ الكثير من البشر على قوله في العديد من المواقف بذكاء، في إحدى حلقات الموسم الماضي للمسلسل يستشيط برايان غضباً من محاولة البعض طمس الإبداع القديم، وإقحام مفاهيم وقيم معاصرة عليه، فعند قراءته رواية «شارلي ومصنع الشوكولاتة»، الصادرة عام 1964، فوجئ بالتحريف الذي وقع على ذلك الكتاب، بمحاولة الزج والترويج لأفكار حالية، لا تمت للرواية بأي صلة، مثل المثلية والبدائل النباتية للتغذية والأفكار الحديثة المناهضة للعنصرية وغيرها، ليدور بعدها حوار غاضب بينه وبين السيدة لويس غريفين، التي تتصدى لتنقية القصص القديمة وإضافة أفكارها بحجة الحرص على تربية النشء الجديد، ليصرخ الكلب قائلاً: «كل هذا لأنكم لا تتحملون قراءتها كما كتبها مبدعوها؟ إن لم يعجبكم عمل ما، لا تقرأوه وكفى!».
فور مشاهدتي لهذا الجدل تذكرت الكثير من الأعمال الفنية الكويتية المسرحية والتلفزيونية، والتي تم تشويهها بالتقطيع ومسح مقاطع منها، لمجرد أن الرقيب يرى فيها ما لا يلائم قناعاته وأفكاره الضيقة، أو كسباً لود مجاميع متشددة/ محافظة بلا أدنى مبالاة أو مراعاة لقيمة تلك الأعمال. طمس إجرامي لا حصر لأضراره، أولها أن التشويه طال في الكثير من الأحيان النسخة الأصلية (الماستر)، وهو يعني أن الطمس بات مؤبداً لتلك الأعمال، ولا يمكن الرجوع إليها عندما تتغير المعطيات الاجتماعية والسياسية، ثانيها أن التشويه لا يراعي السياق الفني وانسيابيته كما أراده مبدعو تلك الأعمال، ثالثها أن الطمس مستمر بدون إطار زمني، بمعنى أن هذه الأعمال مكشوفة للمزيد من التشويه والتآكل بمرور الزمن، بحسب تقلبات المسؤولين والسياسة والمزاج العام، رابعها أن هذا السلوك ينم عن مزايدة رخيصة على أخلاق ومهنية مبدعي تلك الأعمال والمسؤولين الذين أجازوا نشرها، كما تم تقديمها في زمنها، هل كان الشيخ جابر العلي بصفته رائداً للإعلام الكويتي في أوج ازدهاره عاجزاً عن تمييز الصواب من الخطأ في حينها، عندما سمح بإنتاج وبث تلك الأعمال؟ باستطاعتي تحديد عشرات المشاهد الفنية التي شاهدناها في الماضي وتم تشويهها بفعل عوامل التعرية البشرية من قبل المسؤولين عديمي المسؤولية، وفي بعض الأحيان امتد الطمس ليمسح أعمالاً بأكملها من الأرشيف، ولكن لا جدوى من ذلك، لأن أنصار السيدة لويس غريفين مدعي المثالية والإصلاح باتوا الأغلبية من حيث العدد والقوة التدميرية، وأخشى أن أشير إلى تلك الأعمال فتتعرض للمزيد من التشويه في زمن المزايدات، وإلى أن تستعيد الكويت شخصيتها الثقافية والفنية ما علينا سوى أن نستحضر نصيحة الكلب العاقل برايان، رافعين العقال له: إن لم يعجبكم عمل ما، لا تشاهدوه ولا تشوهوه، وكفى!.