التجديد لـ«يونيفيل» ليس مكافأة لأحد
إزاء اقتراب انتهاء ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان «يونيفيل» في 31 أغسطس 2025، دخل مجلس الأمن بدءاً من 18– 19 الجاري مفاوضات صعبة حول مشروع قرار فرنسي يقضي بتجديد مهام القوة عاماً إضافياً، بما اعتبر «مخرجاً منظَّماً» يرتبط بتمكين الدولة اللبنانية من بسط سلطتها الأمنية كاملة على الحدود الجنوبية اللبنانية.
يوازن المقترح الفرنسي بين البعدين الأمني والسياسي، حيث الحاجة ملحّة للاستقرار الحدودي، ما يترافق مع فتح أفق سياسي يستهدف تحقيق نتائج ملموسة لجهة تقوية السيطرة الرسمية على زمام الأمور في لبنان.
إلا أن الولايات المتحدة تتبنى بالطبع وجهة نظر الكيان الإسرائيلي لناحية التحفظ ورفض المقترح الذي تدعمه كثير من الدول الأوروبية، التي تبدو أكثر إدراكاً لحساسية الوضع اللبناني وهشاشة الاستقرار في المنطقة.
أُنشئت القوة عام 1978 بموجب قراري مجلس الأمن رقم 425 و426 لتأكيد الانسحاب الإسرائيلي ومساعدة الحكومة اللبنانية على استعادة سلطتها.
بعد حرب يوليو (تموز) 2006، وسّع القرار 1701 ولايتها لتشمل مراقبة وقف الأعمال العدائية، ودعم انتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني، والمساعدة في جعل المنطقة خالية من أي سلاح غير سلاح الدولة، إلى جانب آليات الارتباط الثلاثية التي تديرها مع الجيش اللبناني وجيش العدو لضبط الحوادث والاختراقات على الخط الأزرق الحدودي.
يتمسّك لبنان الرسمي بـ«يونيفيل» كونها تشكّل شبكة أمان ميدانية وسياسية: فهي - ورغم ما قد يقال عن ضعف أدائها - تُقلل من مخاطر الانزلاق نحو حرب شاملة، وتوفّر قناة اتصال فورية عبر الاجتماعات الثلاثية لمعالجة الخروق والحوادث، وتسند حضور الجيش اللبناني وقدراته في منطقة حدودية شديدة التعقيد، وهذا ما يجعل إنهاء مهامها في هذه اللحظة تحفيزاً للكيان الصهيوني على التصعيد والاعتداء، ليس فقط دون حسيب، كما كلّ مرة، بل دون رقيب أيضاً.
الإشكاليات السياسية والأمنية التي تدور رحاها في الكواليس الدولية ليست معزولة عن المشهد اللبناني والإقليمي.
فلبنان الذي يعاني أساساً من إرباك مؤسساتي وأزمة اقتصادية خانقة غير قادر فعلياً - دون دعم خارجي - على تحميل جيشه وقواته المسلّحة أعباءً أمنية كاملة في جنوب البلاد.
أما إقليمياً، فلا حاجة للتذكير بهشاشة الوضع وانفتاحه على كل الاحتمالات الخطيرة، بدءاً من غزة وليس انتهاء بالعراق وإيران، مروراً بالحدود اللبنانية الجنوبية والشرقية.
جوهر النقاش في كواليس مجلس الأمن، يدور حول ثلاثة مسائل جوهرية، أولها يتعلق باقتران التجديد بخارطة طريق لانسحاب مدروس لـ»يونيفيل».
أما ثاني المسائل فتتعلق بالتعهدات الفعلية بتمويل وتسليح إضافيَّين للجيش اللبناني كي ينهض بمهامه جنوباً في ظل خطاب صهيوني علني يؤمن بفكرتي «أرض إسرائيل الكبرى» و«الأمن الوقائي».
وتبقى المسألة التي بنظري أكثر حساسية وأهمية من الناحية العملية، وهي تتمحور حول التساؤل عن كيفية تفعيل عناصر الولاية القائمة لـ«يونيفيل» وهي: المراقبة، الدعم، والارتباط، من دون تحويل القوة إلى طرف في الاشتباك؟
خلاصة القول، إن لبنان والمجتمع الدولي يقفان اليوم أمام معادلة شديدة الحساسية، اذ إن التجديد لـ«يونيفيل» لا يُعد مكافأة سياسية لأي طرف، بل يمثل ضرورة حقيقية لتقليل مخاطر اندلاع مواجهة عسكرية قد تمتد من الجنوب اللبناني إلى الإقليم بأسره.
من هنا، تبدو الحاجة ملحّة لأن تسود لغة العقل والحكمة في مقاربة هذا الملف، وفي الوقت نفسه، على الداخل اللبناني أن يدرك أن الفرص التاريخية لا تتكرر، وأن أي تهاون أو انقسام في هذه المرحلة والمراحل القادمة قد يقلل من إمكانية تثبيت الاستقرار ويكشف البلاد أمام مشاريع التوسع الإسرائيلي.
* كاتب ومستشار قانوني