هل كانت نفرتيتي من كردستان؟
يمتد عمر العلاقات المصرية - الكردية قروناً بعيدة متصلة، تبدأ مع الحضارة المصرية القديمة، مروراً بمصر الإسلامية والأيوبية خاصة، ثم العصور العثمانية والحديثة، وإذا كان «الميتانيون» التي برزت منهم الملكة «نفرتيتي»، والتي حكمت عرش مصر من بدايات تلك العلاقة، كما يشير د. محمد الصويركي فإن الروابط الكردية - المصرية امتدت إلى ما بعد زمن حاكم مصر محمد علي باشا، الذي يقول المؤلف إنه كان في الواقع من الأكراد لا الألبان كما هو معروف!
وقد هاجر إلى أرض الكنانة منذ بداية العصر الإسلامي عشرات العائلات والعناصر الكردية، واستقروا في أغلب المدن المصرية من الإسكندرية شمالاً حتى أسوان جنوباً، ونبغ منهم أعلام في شتى مناحي الحياة السياسية والعسكرية والأدبية والدينية، ممن اشتهروا بالمدن الكردية التي قدمت أسرهم منها، مثل «دينور» و«ماردين» و«آمد» وغيرها.
ويورد د. الصويركي أسماء العشرات من الأدباء ورجال الدين واللغويين والقضاة والأمراء، نختار منهم مثلاً الشاعر الأديب أحمد بن محمد بن العطار الدنيسري، وأصله من مدينة دنيسر، قرب «ماردين» بالجزيرة الفراتية، اشتهر وتوفي في القاهرة سنة 794هـ، 1392م، ومن مؤلفاته «مرقص المطرب» و«بديع المعاني في أنواع التهاني»، وكتب أخرى في الجد والهزل واللطائف والمجون! (تاريخ الأكراد، د. محمد الصويركي، 2010، ص 218).
وعن الوجود الكردي في مصر المعاصرة، يضيف المؤلف أنه يعيش في مصر اليوم الكثير من الأكراد، وقد انصهر القسم الأكبر منهم في البوتقة المصرية، ومنهم الحكام والمحامون والصحافيون والمديرون والفنانون.
ومن العائلات الكردية المشهورة في مصر عائلة تيمور باشا، التي ينتسب إليها الكاتب أحمد تيمور باشا والشاعرة عائشة التيمورية والأديب محمود تيمور. وقد سكنت عائلة من «آل بدرخان» مدينة الفيوم، وعرفوا باسم «والي» لأنهم كانوا ولاة على هذه المدينة، ومن أبرز المشاهير الكرد في مصر ممن هم في صلب النهضة المصرية والعربية، ممن أشرنا إليهم كأحمد شوقي والإمام الشيخ محمد عبده وقاسم أمين وعباس محمود العقاد وأحمد أمين والشيخ عبدالباسط عبدالصمد وغيرهم من مشاهير مصر.
ولعل أبرز من دخل ميدان السياسة من الكرد سليمان الحلبي، الذي اغتال كبير قادة الجيش الفرنسي والحاكم العام بمصر بعد عودة نابليون إلى فرنسا، كليبر، وقد نشأ سليمان محمد أمين قوبار من عائلة عثمان قوبار بحلب، واشتهر فيما بعد بلقب «سليمان الحلبي»، ثم أرسله والده عام 1797 إلى القاهرة ليتلقى تعليمه في الأزهر الشريف (ص 226)، وقد استغرقت رحلة القافلة من غزة إلى القاهرة ستة أيام، وانضم سليمان ثانية إلى مجموعة طلاب الأزهر الشوام المقيمين في «رواق الشام»، وكان منهم أربعة من مقرئي القرآن من أبناء غزة.
ويضيف د. الصويركي أن سليمان أعلم القراء بعزمه على قتل الجنرال كليبر، وربما لم يأخذوا كلامه على محمل الجد. وعن تفاصيل حادث الاغتيال تقول عدة مراجع إن سليمان الحلبي كان ممن غادر أرض مصر - بعد الغزو الفرنسي كما يبدو - بعد غياب سنوات عن حلب، والتقى في الشام أحد قادة العثمانيين في حلب، فأمره بالتوجه إلى مصر، وكلفه بمهمة اغتيال خليفة نابليون الجنرال كليبر. وهو ما قام به كما سنرى.