تقرير اقتصادي: تناقض السياسات الاقتصادية... ضريبة تأخُّر برنامج العمل الحكومي

• وجوب الالتزام بأطر الكفاءة والخبرة والحوكمة في تعيينات القياديين بأجهزة الدولة
• أغراض الدَّين العام تعاكس أهدافه المفترضة... والرسوم القضائية تستسلم للضغوط التضخمية
• لأملاك الدولة وظيفة اقتصادية «مهملة»... والقصور التشريعي لـ«المنافسة» يحد من اختصاصاته

نشر في 21-08-2025
آخر تحديث 20-08-2025 | 18:48
محمد البغلي
محمد البغلي

يتلمس متابعو الإدارة الحكومية وجود حالة من التناقض في إصدار القرارات والقوانين ذات الصلة بالمالية العامة أو الشأن الاقتصادي من خلال إعلان سياسات معينة، ثم التراجع عنها، أو تشريع قوانين متناقضة مع التصريحات الحكومية، فضلاً عن أخرى تتماهى فيها التشريعات مع أوضاع يفترض أن تعمل أجهزة الدولة على مكافحتها أو التصدي لها، مما يعكس تناقضات لافتة في إدارة الملفات الاقتصادية مع غياب برنامج عمل حكومي ينظم السياسات ويوجه آليات التنفيذ نحو الأهداف المفترضة.

الحكومة تجمع الاختصاصات التشريعية والتنفيذية في وقت واحد... وبلا برنامج عمل يلبي الاحتياجات الاقتصادية

فلم يكن قرار وزارة المالية بوقف العمل بالقرار الوزاري الخاص بإصدار لائحة بدل الانتفاع بأملاك الدولة العقارية ورسوم الخدمات وتكليف القائمين على إدارة «أملاك الدولة» إعادة دراسة اللائحة مجرد استدراك لقرار خاطئ، بل ضريبة لغياب برنامج عمل حكومي يستوعب فكرة أن لأملاك الدولة وظيفة اقتصادية مفترضة، وهي مع الأسف مهملة، تتجاوز قيمة زيادة رسومها المالية، هي خلق فرص العمل وتنمية بيئة الأعمال ومحاربة الاحتكار وتوطين السلع والخدمات وتحفيز المبادرات وغيرها، وهذه كلها فرص ضائعة مباشرة وغير مباشرة بمليارات الدنانير وتتجاوز قيمتها على الاقتصاد تلك الزيادة المقررة في القرار الموقف، التي لم تكن تتجاوز 85 مليون دينار سنوياً.

إنفاق وتشريعات

ولا شك في أن ضريبة غياب برنامج العمل الحكومي لا تقتصر على مجرد قرار خاطئ، بل تمتد إلى ما هو أعمق، كأن تنفق الميزانية العامة للدولة البالغة قيمتها 24.5 مليار دينار دون استراتيجية محددة الأهداف، مما يجعلها على ضخامتها مجرد إنفاق لسداد الالتزامات، لكن الأخطر أن تترتب على غياب البرنامج الحكومي آثار مستدامة، وهنا يكون الحديث عن ضعف جودة التشريع في الكويت خلال الفترة الماضية، الذي تبين في العديد من القوانين، وتحديداً الاقتصادية، فقانون التمويل والسيولة (الاقتراض)، الذي صدر قبل نحو 3 أشهر تعهدت وزارة المالية فيه أن توجّه أموال الاقتراض السيادي إلى تمويل المشاريع التنموية الكبرى وتنشيط الدورة الاقتصادية وتطوير أسواق المال المحلية، في حين كانت أغراض القانون - وفق نصوصه ومواده - على عكس أغراضه المعلنة، إذ يركّز على مصروفات جارية كتمويل الموازنة العامة واستبدال الدَّين العام وسداد الالتزامات المالية الحكومية، كذلك كان قانون تعديل الرسوم القضائية الذي رفع قيمة الرسوم المالية في ممارسة أعمال التقاضي بعذر التضخم في أسعار مختلف الخدمات، وهو تصور يعكس استسلام مؤسسات الدولة أو تماهيها مع فكرة تصاعد التضخم، لا ممارسة دورها الطبيعي بمكافحته والحد من نموه وتصاعده.

تأثّر ومنافسة

ولا يقتصر ضعف جودة التشريع في القوانين الاقتصادية على القوانين التي صدرت فعلاً، إنما يمتد الأمر إلى القصور التشريعي، الذي ارتبط بواقع معيّن كقانون حماية المنافسة، الذي قضت المحكمة الدستورية قبل 6 أشهر بعدم دستورية البند 1 من المادة 34 من قانون حماية المنافسة المتعلقة بفرض الجزاء المالي على الشخص المخالف، فضلاً عن تعديلات عام 2020 بموافقة حكومية، التي ألغت النص الحاسم في تعريف السيطرة، وهي الاستحواذ على نسبة تجاوز 35 بالمئة من حجم سوق معني إلى نص آخر مائع عرّف السيطرة بأنها «العلاقة القانونية أو التعاقدية التي تؤدي بشكل منفصل أو مجتمع الى التأثير الحاسم»، من دون حتى تحديد نسبة السيطرة.

فواجب مجلس الوزراء أن يعيد صياغة قانون حماية المنافسة، ولا يجعله عديم التأثير بعد تعديل أو إبطال بعض مواده، نظراً لارتباطه بفاعلية تشغيل جهاز حماية المنافسة، الذي يفترض أن تأسيسه استهدف تحقيق منافسات السوق العادلة ومكافحة الاحتكار ومنفعة المستهلك، وهي كلها أغراض اقتصادية سليمة تعثّرت بسبب فشل أداء الإدارة العامة.

اختلالات وتعيينات

فاليوم الواجب المستحق على صعيد الإدارة التنفيذية هو أن تطور أعمال الأجهزة الاقتصادية الفنية وتجعلها في مقدمة راسمي السياسات المتعلقة ببرنامج عمل حكومي يستهدف معالجة اختلالات الاقتصاد المزمنة، لا سيما سوق العمل وتنمية وتنويع الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن مرونة تحقيق الإيرادات غير النفطية وتعديل التركيبة السكانية، لا أن تنشغل كما يتداول بتعيينات القياديين وفق معايير فئوية تضغط على كفاءة أجهزة الدولة ذات الطبيعة الفنية والاقتصادية وهو ما يناقض أبسط معايير العمل الإداري السليم، والتي ينبغي الالتزام فيها بأطر الكفاءة والخبرة والحوكمة.

اختصاصات وبرامج

إن صدور قرار خاطئ ثم التراجع عنه أو إقرار قانون منحرف عن أغراض الاقتصاد واحتياجاته أو إهمال سد ثغرات تشريع ناقص يعكس اختلالاً في عمل مجلس الوزراء بوجود أمانته العامة وإدارة الفتوى والتشريع، فالتراخي في جودة قرار وزاري أو ضعف صياغة أو تفسير القوانين مسألة ذات أبعاد سلبية على الاقتصاد، خصوصاً إذا كانت صادرة من حكومة تجمع الاختصاصات التشريعية والتنفيذية في وقت واحد... وبلا برنامج عمل يلبي الاحتياجات الاقتصادية.

back to top