البرلمان السوري القادم والمهام الاستثنائية

نشر في 20-08-2025
آخر تحديث 19-08-2025 | 18:14
 د. مخلص المبارك

تشهد سورية قريباً استحقاقاً وطنياً وحدثاً مفصلياً في الحياة السياسية والتشريعية، من خلال تشكيل أول برلمان بعد انهيار النظام البائد، في ظل ظروف استثنائية، سياسياً، واجتماعياً، وأمنياً.

وقد أسندت المادة 26 من الإعلان الدستوري في سورية لمجلس الشعب وظائف ومهام السُّلطة التشريعية في الدولة بصورة مؤقتة، حتى اعتماد الدستور الدائم وإجراء الانتخابات التشريعية الجديدة.

مازال الواقع الدستوري يشهد غياباً للسُّلطة التشريعية في سورية منذ بداية العهد الجديد، وسيبقى مستمراً حتى انعقاد أولى جلسات مجلس الشعب، نتيجة عدم معالجة إدارة هذه الفترة السياسية في حياة الدولة تشريعياً في مواد الإعلان الدستوري، حيث اقتصر نص المادة 36 على منح رئيس الجمهورية سُلطة إصدار اللوائح التنفيذية والتنظيمية، ولوائح الضبط والأوامر والقرارات الرئاسية وفقاً للقوانين السابقة، وهذه الثغرة الدستورية رغم خطورتها، فإنه يمكن تجاوزها، من خلال تشريع يقره مجلس الشعب الجديد، بإضفاء الصفة الدستورية والقانونية على كل المراسيم الرئاسية التي صدرت خلال هذه الفترة الانتقالية، على اعتبار أن ما جرى هو تفويض تشريعي مؤقت للسُّلطة التنفيذية، بسبب الظروف الاستثنائية التي تمرُّ بها سورية.

تُعد وظيفة سنّ القوانين أهم الوظائف التشريعية التي تُباشرها المجالس البرلمانية، إضافة إلى مناقشة وإقرار مشاريع القوانين، ومراقبة أعمال الحكومة، إلى جانب المشاركة في إعداد الميزانية الخاصة للدولة، ومناقشتها، والتصديق عليها، فضلاً عن الصفة التمثيلية للبرلمان، باعتباره ممثلاً للأمة، ومُعبِّراً عن مصالحها العليا وإرادتها.

وفي سورية، فقد حدَّد الإعلان الدستوري الصادر في الثالث عشر من مارس 2025 في المادة 28 منه، وظائف مجلس الشعب، باقتراح القوانين، وإقرارها، وتعديل وإلغاء القوانين السابقة، والمصادقة على المعاهدات الدولية، وإقرار الموازنة العامة، إضافة إلى إقرار العفو العام، وعقد جلسات استماع للوزراء، وهي وظائف تتسق مع مهام السُّلطة التشريعية، خصوصاً في الأنظمة الرئاسية التي تتميَّز أيضاً بوحدة السُّلطة التنفيذية، وتركزها بيد رئيس الجمهورية، باعتباره رئيساً للحكومة، ورئيساً للدولة بنفس الوقت، حيث تُعد الوظيفة التشريعية الوظيفة المعيارية للبرلمانات في الأنظمة السياسية المختلفة، وترتبط بشكلٍ عام بالتطوُّر السياسي في الدول، حيث تتولَّى في الأنظمة الرئاسية وظيفة التشريع هيئة برلمانية مستقلة بذاتها، كتكريس لنظرية فصل السُّلطات، والتي لا تعتبر مُطلقة في التطبيق العملي، بل تسعى دائماً إلى إيجاد التوازن بين عمل السُّلطتين التشريعية والتنفيذية في الدولة، وتحقيق المساواة والاستقلالية في مهامهم.

وفي النموذج السوري الحالي تبدو مظاهر النظام شبه الرئاسي واضحة المعالم، من خلال الصلاحيات الواسعة للسُّلطة التنفيذية، ممثلة برئيس الجمهورية، بانتظار إقرار الدستور الدائم، الذي سوف يحدد الشكل النهائي لنظام الحُكم السياسي في الدولة مستقبلاً بين النظام الرئاسي المُطلق وشبه المُطلق.

وبالنسبة للدور الرقابي لمجلس الشعب السوري القادم، فمن المتعارف عليه في الأنظمة الرئاسية عدم استعمال البرلمان للأدوات الرقابية الموجودة في الأنظمة البرلمانية، كالاستجواب، وطرح الأسئلة، وطلبات الإحاطة، وطلبات المناقشة العامة، والاقتراحات برغبة، وتشكيل لجان التحقيق، إضافة إلى سحب الثقة، فيما حدَّدت الفقرة «خ» من المادة 30 من الإعلان الدستوري الأدوات الرقابية لمجلس الشعب القادم فقط بسُلطة عقد جلسات استماع للوزراء، وهي أداة رقابية سياسية محدودة لا تتسق إلى حدٍّ ما مع الأعراف الدستورية في الأنظمة الرئاسية المتعارف عليها، في ظل الأهمية المنوطة بالرقابة البرلمانية كأداة ضرورية لضمان توافر الشفافية والمساءلة لأداء السُّلطة التنفيذية، وإعمال مبدأ التوازن بين السُّلطات وحماية حقوق المواطنين، حيث يشكِّل غياب النص على وجود لجان التحقيق البرلمانية قصوراً غير مُستحب في الأنظمة الرئاسية، منها الواقع السوري.

ورغم الصفة الانتقالية والمؤقتة لمجلس الشعب القادم في سورية، فإنها تكتسب أهمية استثنائية في مرحلة بناء الدولة مع التحديات والمهام التي سوف يُباشرها المجلس لجهة تفعيل السُّلطة التشريعية، وإقرار الدستور الدائم للدولة، وإقرار قانون الانتخابات، وقانون الأحزاب السياسية، وقانون العدالة الانتقالية، وغيرها من القوانين المنتظرة المهمة للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

* أستاذ جامعي ومستشار قانوني– لندن

back to top