ترامب سيلغي الاقتراع بالبريد قبل التجديد النصفي
• دعم روسيا لتغيير قواعد الانتخاب يثير عاصفة ويوسّع دائرة الصدام الداخلي
أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس، إشعال الجدل الانتخابي في الولايات المتحدة بإعلانه أنه سيقود «حركة للتخلص من التصويت عبر البريد»، الذي يعتبره أحد أبرز أسباب ما يصفه بـ «التزوير الواسع النطاق» في انتخابات الرئاسة عام 2020، التي لم يعترف حتى الآن بخسارته فيها أمام جو بايدن.
وكتب ترامب، في منشور مطوّل على منصته تروث سوشيال: «سأقود حركة للتخلص من التصويت عبر البريد، وأيضاً من أجهزة التصويت غير الدقيقة والمكلفة للغاية والمثيرة للجدل، والتي تكلّف عشرة أضعاف ثمن ورق العلامة المائية الدقيق والمتطور، وهو أسرع، ولا يترك مجالاً للشك حول من فاز أو خسر الانتخابات».
وأكد أنه سيوقّع أمراً تنفيذياً جديداً بهدف «المساعدة في تحقيق النزاهة بانتخابات منتصف الولاية المقررة في نوفمبر 2026»، دون أن يقدم تفاصيل دقيقة عن مضمون هذا القرار.
وتوقّع الرئيس الأميركي مواجهة قوية مع الحزب الديموقراطي، قائلاً إنهم سيعارضون بشدة مساعيه لإلغاء الاقتراع عبر البريد «لأنهم يغشّون بمستويات غير مسبوقة». ويأتي هذا التصعيد بعد أن كان قد أصدر في 25 مارس الماضي أمراً تنفيذياً يفرض ضوابط أشد على تسجيل الناخبين وقيوداً على التصويت عبر البريد، لكن المحاكم أوقفته بعد طعون من ولايات يقودها الديموقراطيون.
وفي الولايات المتحدة، تتولى كل ولاية من الولايات الخمسين تنظيم انتخاباتها الخاصة، فيما يضع «الكونغرس» الإطار العام، إلّا أن ترامب يريد إعادة النظر في هذا النظام، مؤكداً أن «الولايات مجرد وكيل للحكومة الفدرالية في فرز الأصوات واحتسابها»، معتبراً أن على الولايات الامتثال لما يمليه الرئيس «لما فيه مصلحة البلاد».
وحذّر خبراء القانون من خطورة هذا التوجه. وقال أستاذ قانون الانتخابات بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس، ريك هاسن، إن الأمر التنفيذي السابق لترامب يمثّل «انقلاباً تنفيذياً»، فيما أعلنت منظمات حقوقية نيتها الطعن بأي قرار مماثل أمام القضاء.
ولم يقتصر موقف ترامب على الداخل الأميركي، إذ كشف أنه ناقش هذه القضية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائهما الأخير يوم الجمعة، مؤكداً أنه يوافقه الرأي بشأن ضرورة إنهاء الاقتراع عبر البريد. وقد أثار هذا التصريح ردود فعل داخلية غاضبة، إذ اعتبره مراقبون دليلاً إضافياً على اعتماد ترامب على دعم خارجي مثير للجدل في قضايا انتخابية داخلية.
في المقابل، يرى مؤيدوه أن هذه الخطوات تمثّل محاولة «لاستعادة الثقة بالديموقراطية الأميركية»، بينما يتهمه خصومه باستغلال صلاحيات الرئاسة لإعادة صياغة النظام الانتخابي بما يخدم طموحاته السياسية في انتخابات 2026 وما بعدها.
وبالتوازي مع تحركات ترامب، تشهد الولايات المتحدة معارك سياسية داخلية مرتبطة بالانتخابات، إذ أعلن المشرّعون الديموقراطيون في ولاية تكساس إنهاء انسحابهم الذي استمر أسبوعين، وأدى إلى تعطيل تمرير الجمهوريين لخريطة جديدة للدوائر الانتخابية.
وقال قادة الديموقراطيين في تكساس إنهم سيعودون للمشاركة بالدورة التشريعية الخاصة الثانية، فيما يواصل الديموقراطيون في كاليفورنيا وضع خطط لرسم دوائر انتخابية جديدة تهدف إلى تحييد مكاسب الجمهوريين في تكساس، وهو ما يعكس حدة الصراع الحزبي على رسم الدوائر الانتخابية قبل انتخابات 2026.
ولم تتوقف تداعيات سياسات ترامب عند حدود الداخل الأميركي، بل امتدت إلى العلاقات التجارية مع البرازيل، فقد أعلن وزير المالية البرازيلي، فرناندو حداد، أن المحادثات التجارية مع واشنطن توقفت بسبب «طلب مستحيل» من ترامب، بعدما ربطت الإدارة الأميركية فرض رسوم جمركية بنسبة 50 بالمئة على البضائع البرازيلية بنزاعات قضائية تتعلق بالرئيس السابق جايير بولسونارو.
وتوقّع حداد انخفاض حجم التجارة الثنائية بين البلدين، لكنه استبعد أن تستمر الأزمة فترة طويلة، مشيراً إلى إمكانية التوصل إلى حلول خلال عام أو عامين.
في سياق موازٍ، أثارت دعوة ترامب شركات تصنيع الأدوية لإطلاق مبيعات مباشرة للمستهلك الأميركي جدلاً واسعاً داخل القطاع الصحي. وتهدف هذه المبادرة، وفق تصريحات الرئيس، إلى بيع الأدوية بأسعار لا تتجاوز أقل سعر معروض في الدول المتقدمة الأخرى، وإنهاء الخصومات التي تدفعها الشركات لمديري برامج استحقاقات الصيدليات.
ورغم أن بعض شركات الأدوية أبدت اهتماماً بالفكرة، فإن خبراء الصناعة أكدوا أن تأثيرها على خفض التكاليف التي يتحملها المرضى لا يزال غير واضح. كما حذّر مراقبون من أن هذه الاستراتيجية قد تخدم الشركات الكبرى أكثر من المستهلكين، على حساب الصيدليات وشركات التأمين وتجار الجملة.
وبهذه المواقف المتزامنة، من معركة الاقتراع عبر البريد إلى ملف الأدوية والأزمات التجارية، يواصل ترامب فرض حضوره القوي على المشهد السياسي الأميركي والدولي، وسط انقسام داخلي حاد وصدام متصاعد مع المؤسسات الديموقراطية. وبينما يسعى لإعادة صياغة قواعد اللعبة الانتخابية، يرى خصومه أنه يهدد النظام الديموقراطي ذاته، مما يجعل انتخابات 2026 مرشحة لتكون إحدى أكثر الانتخابات إثارة للجدل في تاريخ الولايات المتحدة.