أبوبكر بَازَرْعَة... الكبير الكثير
يعد الفقيد الراحل أبوبكر عمر بَازَرْعَة، أحد أهم رجال المال والأعمال في اليمن، بل وأحد شموسها الأكثر توهجاً وتطوراً على مدى سبعة عقودٍ من الزمن، فهو ابن أسرةٍ ذات تاريخٍ عريق في التجارة والاقتصاد، أسرةٍ امتدَّ صيتها وذاع وانتشر في الشرق والغرب، فهي الحاضرة في قلب القاهرة المصرية، وهي المتجذرة في عمق الشعب السوداني، وهي الذائعة الصيت في قلب جنوب شرق آسيا، وشرق إفريقيا... وما بينهما وبين العالم، تكتمل قصة آل بَازَرْعَة الكرام.
وبما أن نأيه الكثير عن الحضور الإعلامي، والأضواء البرَّاقة، جعله مغموراً أو مطموراً نوعاً ما، ولكنه تواضع العلماء، وكرم الحكماء، وخجل الفهماء، ورزانة البلغاء، فكان بحقٍّ وحقيقة، الإنسان بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، والوالد بكل ما تحمله من مشاعر صادقة، ومحبةٍ آسرة، يتَّسم بالحكمة، ويتنسم بالموعظة، ويتسامى عن كل الأحقاد والضَّغائن، ويتناسى كل الفروق والطَّبقيات المقيتة التي هي صنع مئاتٍ من السنين، لا يُفرِّق ولن يُفرِّق بين منطقةٍ وأخرى، فالناس المحتاجة لعونه متساوية كأسنان المشط، وهو السَّند الكبير عند الحاجة، وهو العون الأكبر في وقت اللزوم، وللأسف الشديد لم أستطع الحصول على الأرقام والإحصائيات التي تُقدِّمها مشاريع مؤسسته الخيرية، والمسمَّاة باسم أسرته «مؤسسة بَازَرْعَة التنموية الخيرية»، ومن هذا الاسم وهذا العنوان، فقد كانت التنمية عنوانه، والخير مجاله، والنهضة والتطور لبلده هو ديدن عمله وزاد منهاجه.
كان – رحمه الله – ذا نظرةٍ بعيدة، وإحساسٍ دقيق، ورؤيةٍ تستشرف المستقبل، وإليه يرجع الفضل في انتشار واشتهار شركة تويوتا – عملاق السيارات اليابانية – عالمياً، ولعل من يتساءل عن فحوى ذلك، فهناك فيلم وثائقي أُنجز عن بدايات هذه الشركة الكبيرة، وعلاقتها بالشيخ الراحل، وطريقة إصراره وإقناعه لها بالعمل والانتشار عالمياً، والبدء من مدينة عدن التي كانت حينذاك مستعمرة بريطانية، ومدينة عالمية، وبالرغم من كل التردد الياباني لكنه استطاع في الأخير انتزاع موافقتها بل وحصوله على وكالتها في اليمن والشرق الأوسط، ليضع البلد والمنطقة برمتها في أتون الشراكات الاقتصادية الدولية، التي تركِّز كثيراً على هذه المنطقة الاستراتيجية، لما فيها من ثرواتٍ وخيرات من جهة، ومن جهةٍ أخرى لكونها تتوسط العالم برمته، ويمر عبرها أكبر شريانٍ اقتصادي عالمي، والمتمثل في البحر الأحمر وباب المندب مروراً بقناة السويس وانتهاءً بمضيق جبل طارق.
ولعل في تعزية الشركة اليابانية الأم، وعلى لسان متحدثها الرسمي، الذي وصفه بالقول: «لقد كان رجلاً عظيماً لشركة تويوتا في الشرق الأوسط، ولعب دوراً بارزاً في بناء جسور المحبة بين الشعبين الياباني واليمني» أعظم دلالةٍ، وأروع مثالٍ، على هذا الدور الكبير للفقيد الراحل.
وفي الأخير... ها هي ذكرى أربعينية رحيله قد قاربت، وهنا لا يسعني إلا أن أُذَكِّر اليمن واليمنيين ببعض رجالاته الكبار، الكبار حقيقة في أعمالهم، وأنشطتهم، وتجارتهم، والكثيرون في تدخلاتهم في الجوانب الإنسانية والاجتماعية والخيرية، حتى لا نفقد الأمل، ولا ننكر الجميل، فالبلاد ولادة بالخير وبالرجال الصَّادقين في كل زمن... رحم الله الشيخ الوالد أبوبكر عمر بَازَرْعَة، وأجزاه عنَّا عظيم الجزاء، وخالص تعازيي لأولاده، وعلى رأسهم الأستاذ الصديق أحمد أبوبكر.
* صحافي يمني